٢٠٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا عُبَيْدَةُ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيَاضٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي، فَمَنْ حَفِظَنِي فِيهِمْ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْنِي فِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي تَخَلَّى اللَّهُ تَعَالَى منْهُ، وَمَنْ تَخَلَّى اللَّهُ منْهُ أَوْشَكَ أَنْ يَأْخُذَهُ» فَإِنْ قَالَ قَائِلَ: فقَدْ نَازَعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ تَخَلَّى اللَّهُ عَنْهُ أَوْشَكَ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلَ: قَدْ نَازَعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَيْرُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، فَمَا الَّذِي دَعَاهُ إِلَى مُنَازَعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ السَّوَابِقِ مَا لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَالْمَنَاقِبِ الشَّرِيفَةِ. قِيلَ لَهُ: كُلُّ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَزَلَ مِنْهُ مَنْزِلَةَ قُرْبٍ أَوْ سَبَبٍ، وَإِنْ كَانَ دُونَ أُولَئِكَ فِي السَّابِقَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْمَنَاقِبِ الشَّرِيفَةِ، فَالْأَسْلَمُ لَنَا أَنْ نَحْفَظَ فِيهِ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ: «أُوصِيكُمْ فِي أَصْحَابِي خَيْرًا» . لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُتَأَوِّلًا، وَإِنْ كَانَ فِي تَأْوِيلِهِ غَيْرَ مُصِيبٍ، يَقْتَدِي فِي ذَلِكَ بِكِبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا حَرْبَهُمْ فَكَفُّوا وَقَعَدُوا لِإِشْكَالِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ لَهُمْ فِي قُرْبِهِمْ مِنْهُمْ وَمُشَاهَدَتِهِمْ لَهُمْ أَنْ يَكُفُّوا وَيَقْعُدُوا فَنَحْنُ فِي تَمَغْفُرِنَا مِنْهُمْ وَتَغَيُّبِنَا عَنْهُمْ أَوْلَى أَنْ نَسْكُتَ عَنْهُمْ، وَنُكِنُّ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُمْ. فَإِنْ قَالَ: فَمَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَجُوزُ أَلَّا تَلْحَقَهُ لَعْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعْوَتُهُ. ⦗٣٧٨⦘ قِيلَ لَهُ: إِنَّا وَإِنْ خِفْنَا عَلَيْهِ لِلَعْنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ لِمَعْصِيَتِهِ فَنَرْجُو لَهُ غُفْرَ اللَّهِ بِدُعَاءِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَتِ اللَّعْنَةُ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ، مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَهُ اللَّهُ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لِأُمَّتِهِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، لِأَحْيَائِهِمْ وَأَمْوَاتِهِمْ. فَلَوْ كَانَ كُلُّ دَعْوَةٍ مُجَابَةً لَمَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ مُعَذَّبًا أَوْ دَخَلَ النَّارَ، وَكَذَلِكَ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ دَعُوا لِمَنْ تَبِعَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح: ٢٨] الْآيَةَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابِ} ، فَلَا نَقْطَعُ عَلَى أَنَّ دَعْوَتَهُمْ مُجَابَةٌ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ النَّاسِ غَيْرُ مُعَذَّبِينَ وَلَا دَاخِلًا مِنْهُمُ النَّارَ أَحَدٌ، لَكِنْ نَرْجُو أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ بِهِ أَخَصُّ وَإِلَيْهِ أَقْرَبُ كَانَتِ الدَّعْوَةُ لَهُ أَخَصُّ وَالرَّجَاءُ فِي أَمْرِهِ أَقْرَبُ وَأَكْثَرُ. فَإِنْ قَالَ: فَإِذًا لَا يَضُرُّ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ لَعْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ كَانَتْ لَهُ دَعْوَةً أَيْضًا. قِيلَ لَهُ: اللَّعْنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَوَجْهٌ يَلْعَنُ قَوْمًا فِي مَآثِمَ ارْتَكَبُوهَا كَلَعْنَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ فَهَذَا جَائِزٌ غُفْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهِ. وَأَمَّا لَعْنَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ ظَلَمَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّهُ أَوْ رَمَاهُ بِبُهْتَانٍ وَفِرْيَةٍ فَهَذِهِ حُقُوقٌ لَهُمْ لَا يُظْلَمُ فِيهِ أَحَدٌ بَلْ يَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ وَلَا يَعْفُو عَنْهُ. ⦗٣٧٩⦘ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْإِفْكِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: ١٩] الْآيَةَ، وَقَالَ: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥] ، وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: ٢٣] ، الْآيَةَ، وَقَالَ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: ٥٨] الْآيَةَ. فَهَذَا وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمَيِّينَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الظَّلَمَةِ لِلْمَظْلُومِينَ وَيَأْخُذُهَا وَمَا عَدَا هَذَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَائِزٌ الْعَفْوُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ. وَمَعَ أَنَّ لَعْنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: فِي غَيْرِ غَضِبٍ، يُرِيدُ بِذَلِكَ إِعْلَامَ أُمَّتِهِ بِعِظَمِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ وَالتَّحْذِيرَ مِمَّا حَذَّرَ اللَّهُ، كَلَعْنَتِهِ مَنْ أَكَلَ الرِّبَا، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. لَعَنَ فَاعِلِيهَا فِي حَالِ الرِّضَا تَأْكِيدًا لِمَا أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ وَحَرَّمَهُ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَلْعَنَ فِي حَالِ غَضِبٍ وَمَوْجِدَةٍ، فَذَلِكَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمْ وَلَا يَلْحَقُهُمْ، لِقَوْلِهِ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلَكُمْ، أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا عَبْدٍ لَعَنْتُهُ أَوْ ضَرَبْتُهُ أَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَقُرْبَةً» . فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ لَعَنَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَهُمْ أَيْضًا مِمَّنْ عَمَّتْهُمْ لَعْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ سَبَى أَصْحَابَهُ. قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا أَرَادَ مَنْ لَعَنَ أَصْحَابَهُ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِهِ. فَأَمَّا سَبُّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى حَدِّ غَضِبٍ وَمَوْجِدَةٍ قَدْ عَفَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ: أَخْذُهُمُ الْفِدَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَتَوَلِّيهِمْ عَنِ الرَّسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَمَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْهُمْ، وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ مِسْطَحٍ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَهُ لَمَّا سَمِعَهُ فَقَالَ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} الْآيَةَ. فَإِنِ اعْتَرَضَ فَقَالَ: الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي السَّبِ وَاللَّعْنِ سَوَاءٌ إِذَا سَبَّ بَعْضُهُمْ ⦗٣٨٠⦘ بَعْضًا. قِيلَ لَهُ: إِنْ رَكِبْتَ هَذَا الْبَابَ يَلْزَمُكَ أَنْ تُلْزِمَهُمُ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا، وَتُكَفِّرَهُمْ لِاقْتِتَالِهِمْ وَمُوَاجَهَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ⦗٣٨١⦘ بِالسَّيْفِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا» ، «فَإِذَا تَوَجَّهَ الْمُسْلِمَانِ» . وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ يُعَظِّمُ حُرْمَةَ الصَّحَابَةِ وَيَعْتَقِدُ تَفْضِيلَهُمْ وَسَابِقَتَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute