للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يَمَلُّهَا كَلَّا وَرَبِّي، بَلْ يَزْدَادُ عَجَبًا لَهَا، كُلَّ مَا أَطَالَ اعْتِنَاقَهُ بِهَا، لِأَنَّهَا تُضَاعَفُ حُسْنًا فِي عَيْنِهِ وَيُضَاعَفُ حُسْنًا فِي عَيْنِهَا، فَكَيْفَ إِذَا نَازَعَهَا كَأْسَ مَعِينٍ عَلَى أَنْهَارِهَا، وَحَيَّتْهُ بِضَبَائِرِ رَيْحَانٍ مُضَخَّمَةٍ بَعَنْبَرِهَا، وَأَتَاهُ رَسُولٌ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتُحْفَةٍ فحي بِهَا ضَجِيعَة وَهَمَّ بِشَهْوَةٍ، فَصَارَتْ فِي فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهَا، وَأَحَبَّ أُخْرَى، فَتَحَوَّلَتْ تِلْكَ عَلَى طَعْمِهَا، وَخَطَرَتْ ثَالِثَةٌ فَوَجَدَ بَيْنَهُمَا لَذَّتَهَا، فَلَمْ يَزَلْ طَعْمُ وَاحِدَةٍ مِنْ لَهْوَاتِهِ مِنْهُنَّ عَلَى حَالِهَا، وَالْتَفَتَ إِلَى الرَّضِيَّةِ فَقَلَّبَ بِكَفِّهِ حُسْنَ كَفِّهَا، وَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ فِي ضَوْءِ سَوَالِفِهَا، وَهَمَّ بِكُسْوَةٍ فَتَلَفَّتَتْ أَكْمَامُ شَجَرَةٍ دَانِيَةٍ عَلَيْهَا، وَتَطَايَرَتْ مِنْهَا الْحُلَلُ فَتَهْوِي إِلَيْهِمَا، وَقَدْ حَازَ نَاظِرُهُ جَمِيعَ أَلْوَانِ كِسَائِهَا، مَزِيَّةَ لَوْنِ الْأَلْوَانِ الَّتِي تَلِيهَا، وَطَيُّ تِلْكَ الْأَعْكَانِ تُزَيِّنُ مَا عَلَيْهَا، وَضَوْءُ النُّورِ يَتَلَأْلَأُ مِنْ أَشْفَارِ عَيْنِهَا، وَيَحْسَبُ النُّورَ يَجِيءُ إِذَا اتَّكَأَتْ فِي صَدْرِ بَهْوِهَا، ولجة نكنا هُنَاكَ مِنْ مَاءِ وَجْهِهَا , فَيَا مَغْرُورٌ يَلْهُو وَلَا يَرْغَبُ فِيهَا، وَيَغْفَلُهَا جَهْلًا وَلَا يُطِيعُ رَبَّهَا، لَوْ كَانَ لِي عَزْمٌ لَذُبْتُ خَوْفًا وَحَرَقًا، وَلَطَارَ قَلْبِي إِلَى الْجَنَّةِ تَشَوُّقًا، وَلَكِنِّي حَلِيفٌ، أَمَا فِي عَزْمِي غُرُورٌ، عَمِيت عَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ الْمُتَّقُونَ، الَّذِينَ أَخْلَصُوا اللَّهَ تَعَالَى عَزْمَ نِيَّاتِهِمْ، وَصَدَقُوا فِي مَجْهُودِ طَاعَتِهِمْ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالْإِخْلَاصِ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَنَاطُوا التَّعَبَ بِالدَّأْبِ فِي صِيَامِهِمْ، وَأَوْصَلُوا لَهِيبَ الْجُوعِ إِلَى أَجْوَافِهِمْ، مَعَ خَشِنٍ قَاسَوْهُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ، وَحَمَوْا أَنْفُسَهُمْ عَنِ التَّمَتُّعِ بِمَا أُحِلَّ لَهُمْ، وَيَمَّمُوا إِلَى خُلْدِ دَارِ نَظَرُوا إِلَى سُرُورِهَا بِأَبْصَارِ اعْتِبَارِهِمْ، فَسَلَّمُوا جُفُونَ أَعْيُنِهِمْ عَلَى نَوَاظِرِ الْعُيُونِ، وَقَدْ كَحَّلُوهَا بِمَضِيضِ السَّهَرِ، وَسَلَوْا عَنِ الْغَمْضِ بِطُولِ الْفِكْرِ فِيمَا أَمَامَهُمْ مِنَ الْأَهْوَالِ الْعِظَامِ , وَالْأَخْطَارِ الْجِسَامِ، فَاسْتَكَنَّتْ كَنَائِزُ الْفِكْرِ فِي قُلُوبِهِمْ، فَكَادَتْ تَتَفَطَّرُ عِنْدَمَا ازْدَحَمَ عَلَيْهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْوَعِيدِ

<<  <   >  >>