٥١ - حَدَّثَنَا ابْنُ مُوسَى إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْهَارُونُ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيُّ الْمَوْصِلِيُّ، ثنا أَبُو إِلْيَاسَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يُقَالُ لَهَا طُوبَى لَوْ سَخَّرَ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ أَنْ يَسِيرَ فِي ظِلِّهَا لَسَارَ فِيهِ مِائَةَ عَامٍ، وَوَرَقُهَا وَبُسْرُهَا بُرُودٌ خُضْرٌ، وَزَهْرُهَا رِيَاطٌ صُفْرٌ، وَفِنَاؤُهَا سُنْدُسٌ وَإِسْتَبْرَقٌ، وَثَمَرُهَا حُلَلٌ، وَصَمْغُهَا زَنْجَبِيلٌ وَعَسَلٌ، وَبَطْحَاؤُهَا يَاقُوتٌ أَحْمَرٌ وَزُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَتُرَابُهَا مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ، وَكَافُورُهَا أَصْفَرُ، وَحَشِيشُهَا زَعْفَرَانٌ مُونِعٌ، وَالَألَنْجُوجُ يَتَأَجَّجَانِ مِنْ غَيْرِ وَقُودٍ، يَتَفَجَّرُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارُ السَّلْسَبِيلِ وَالْعَيْنِ وَالرَّحِيقِ، وَظِلُّهَا مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، يَأْلَفُونَهُ مُتَحَدِّثٌ يَجْمَعُهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَوْمًا فِي ظِلِّهَا ⦗٧٤⦘ يَتَحَدَّثُونَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَقُودُونَ نُجُبًا جُبِلَتْ مِنَ الْيَاقُوتِ، ثُمَّ تُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ مَزْمُومَةً بِسَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ كَأَنَّ وَجْهَهَا الْمَصَابِيحُ نَضَارَةً وَحُسْنًا وَبَهَاءً، وَبَرُهَا خَزٌّ أَحْمَرُ وَمَرْعَزِيٌّ أَبْيَضُ مُخَلَّطَانِ، لَمْ يَنْظُرِ النَّاظِرُونَ إِلَى مِثْلِهَا حُسْنًا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَهَابَةٍ، نُجُبٌ مِنْ غَيْرِ رِيَاضَةٍ، عَلَيْهَا رَحَايِلُ أَلْوَاحُهَا مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مُفَضَّضَةٌ بِاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانُ، صَفَائِحُهَا مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ مُلَبَّسَةٌ بِالْعَبْقَرِيِّ وَالْأُرْجُوَانِ، فَأَنَاخُوا لَهُمْ تِلْكَ النُّجُبَ ثُمَّ قَالُوا لَهُمْ: إِنَّ رَبَّكُمْ يُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ وَيَسْتَزِيرُكُمْ لِيَنْظُرَ إِلَيْكُمْ وَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَتُكَلِّمُونَهُ وَيُكَلِّمُكُمْ وَيَزِيدَكُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَسَعَتِهِ إِنَّهُ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَفَضْلٍ عَظِيمٍ، فَيَتَحَوَّلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ صَفًّا مُعْتَدِلًا لَا يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَلَا يَفُوتُ أُذُنُ نَاقَةٍ أُذُنَ صَاحِبَتِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَتْحَفَتْهُمْ مِنْ ثَمَرِهَا وَرَحَلَتْ عَنْ طَرِيقِهِمْ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَثَلَّمَ صَفُّهُمْ أَوْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَرَفِيقِهِ، فَلَمَّا دُفِعُوا إِلَى الْجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ سَفَرَ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَتَجَلَّى لَهُمْ فِي عَظَمَتِهِ الْعَظِيمَةِ يُحَيِّيهِمْ فِيهَا بِالسَّلَامِ قَالُوا: رَبَّنَا أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ وَلَكَ حَقُّ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، قَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ: «إِنِّي أَنَا السَّلَامُ وَمِنِّي السَّلَامُ وَلِي حَقُّ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَمَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ حَفِظُوا وَصِيَّتِي وَرَعَوْا عَهْدِي وَخَافُونِي بِالْغَيْبِ، وَكَانُوا مِنِّي عَلَى كُلِّ حَالٍ مُشْفِقِينَ» ، قَالُوا: أَمَا وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَعُلُوِّ مَكَانِكَ مَا قَدَرْنَاكَ حَقَّ قَدْرِكَ وَلَا أَدَّيْنَا إِلَيْكَ كُلَّ حَقِّكَ فَائْذَنْ لَنَا فِي السُّجُودِ. قَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ: «إِنِّي وَضَعْتْ عَنْكُمْ مُؤْنَةَ الْعِبَادَةِ وَأَرَحْتُ لَكُمْ أَبْدَانَكُمْ فَطَالَمَا نَصِبْتُمْ لِىَ الْأَبْدَانَ وَأَعْنَتُّمْ لِيَ الْوُجُوهَ، وَأَصْمَتُّمْ لِيَ الْأَفْوَاهَ، وَأَخْمَصْتُمْ لِيَ الْبُطُونَ، فَالْآنَ أَفْضَيْتُمْ إِلَى رَوْحِي وَرَحْمَتِي وَكَرَامَتِي، فَاسْأَلُونِي مَا شِئْتُمْ، وَتَمَنَّوْا عَلَيَّ أُعْطِكُمْ أَمَانِيَكُمْ فَإِنِّي لَا أَجْزِيكُمُ الْيَوْمَ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ وَلَكِنْ بِقَدْرِ رَحْمَتِي وَطَوْلِي وَجَلَالِي ⦗٧٥⦘ وَعُلُوِّ مَكَانِي وَعَظَمَةِ شَأْنِي» ، فَمَا يَزَالُونَ فِي الْأَمَانِيِّ وَالْمَوَاهِبِ وَالْعَطَايَا حَتَّى إِنَّ الْمُقَصِّرَ مِنْهُمْ لَيَتَمَنَّى مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يَوْمِ أَفْنَاهَا، قَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ: «لَقَدْ قَصَّرْتُمْ فِي أَمَانِيكُمْ وَرَضِيتُمْ بِدُونِ مَا يَحِقُّ لَكُمْ فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَتَمَنَّيْتُمْ وَزِدْتُكُمْ عَلَى مَا قَصُرَتْ عَنْهُ أَمَانِيكُمْ، فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاهِبِ رَبِّكُمُ الَّذِي وَهَبَ لَكُمْ» ، فَإِذَا قِبَابٌ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَغُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ مِنَ الدُّرِّ وَالْمَرْجَانِ، وَأَبْوَابُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَسُرُرُهَا مِنْ يَاقُوتٍ، وَفُرُشُهَا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، وَمَنَابِرُهَا مِنْ نُورٍ يَثُورُ مِنْ أَبْوَابِهَا وَمِنْ أَعْرَاضِهَا نُورٍ كَشَعَاعِ الشَّمْسِ مِثْلِ الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ فِي النَّهَارِ الْمُضِيءِ، وَإِذَا قُصُورٌ شَامِخَةٌ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ مِنَ الْيَاقُوتِ يَزْهُو نُورُهَا، فَلَوْلَا أَنَّهُ سُخِّرَ لَالْتَمَعَ الْأَبْصَارَ، فَمَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْقُصُورِ مِنَ اليَاقُوتِ الْأَبْيَضِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْحَرِيرِ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْعَبْقَرِيِّ الْأَحْمَرِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَخْضَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالسُّنْدُسِ الْأَخْضَرِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَصْفَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْأُرْجُوَانِ الْأَصْفَرِ مُمَوَّهٌ بِالزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ وَالذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ وَقَوَاعِدُهَا وَأَرْكَانُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ، وَشُرُفُهَا قِبَابٌ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَبُرُوجُهَا غُرَفُ الْمَرْجَانِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا إِلَى مَا أَعْطَاهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ قُرِّبَتْ لَهُمْ بَرَاذِينُ مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ مَنْفُوخٌ فِيهَا الرُّوحُ، بِجَنْبِهَا الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ، بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَكَمَةُ بِرْذَوْنٍ وَلُجُمُهَا وَأَعِنَّتُهَا مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ مَنْظُومَةٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَسُرُجُهَا سُرُرٌ مَوْضُونَةٌ مَفْرُوشَةٌ بِالسُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ تِلْكَ الْبَرَاذِينُ تَزِفُّ بِهِمْ وَتُبَصِّرُ بِهِمْ رِيَاضَ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا ⦗٧٦⦘ انْتَهَوْا إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَجَدُوا فِيهَا جَمِيعَ مَا تَقَوَّلَ بِهِ رَبُّهُمْ عَلَيْهِمْ مِمَّا سَأَلُوا أَوْ تَمَنَّوْا، فَإِذَا عَلَى بَابِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْ تِلْكَ الْقُصُورِ أَرْبَعَةُ جِنَانٍ: جَنَّتَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ، وَجَنَّتَانِ مُدْهَامَّتَانِ، وَفِيهَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ، وَفِيهَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ، وَحُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ، فَلَمَّا تَبَوَّءُوا مَنَازِلَهُمْ وَاسْتَقَرَّ بِهِمْ قَرَارُهُمْ قَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ تَعَالَى: «هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» قَالُوا نَعَمْ رَضِينَا فَارْضَ عَنَّا، قَالَ: «بِرِضَائِي عَنْكُمْ حَلَلْتُمْ دَارِي، وَنَظَرْتُمْ إِلَى وَجْهِي وَصَافَحْتُمْ مَلَائِكَتِي فَهَنِيئًا هَنِيئًا عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ لَيْسَ فِيهِ تَنْغِيصٌ وَلَا تَصْرِيدٌ» ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ وَأَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute