لقد مال كثير من المعاصرين إلى تقدير النصاب بالفضة؛ لكونه مجمعا عليه، والتقدير به أنفع للفقراء، بينما يرى آخرون تقديره بالذهب؛ لتغير قيمة الفضة بعد عصر الصحابة، بينما ظل الذهب ثابتا، والتقدير بالذهب أقرب إلى موافقة بقية أنصبة الزكاة: الأنعام، الزروع، ولكن التقدير بالذهب أو الفضة لا يحقق النصاب المقدر بها كفاية أسرة لمدة سنة كاملة، وقيمة النقود حقيقة إنما تكمن في قوتها الشرائية، أما عينها فلا تؤكل، ولا تغني عن البشر شيئا، ولشدة تغير قيمة النقدين يرى بعض الفقهاء أن يقدر النصاب بالأنصبة الأخرى التي لا تتغير تغير النقود.
فهل نقدر النصاب بقيمة الأوسق الخمسة؟ ولكن قيمة الأوسق هذه تقل كثيرا عن نصاب الأنعام، ولعل الشارع قصد تقليل نصاب الزروع لعدة معان منها:
أن نعمة الله أظهر في الزروع منها في أي شيء آخر، وجهد الإنسان فيها أقل من جهده في الثروات الأخرى، كما لا يستغني البشر عما أخرجت الأرض من نبات، وإن استغنوا إلى حد ما عن الحيوان، ولهذا قصد الشارع إلى تقليل نصابها؛ لأنها كلها نماء للأرض، كما زاد نسبة الواجب فيها، فلم يبق إلا التقدير بالنصاب الحيواني. وحيث اختلف الفقهاء في نصاب البقر، من خمس إلى ثلاثين إلى خمسين، فليس إلا التقدير بالإبل والغنم، فهل نقدر بها؟ الجواب نعم، إذا كان نصاب الغنم يساوي ٢٠٠ درهم فضة، ثم نقل نص السرخسي في المبسوط الذي يفيد: أن ثمن الشاة خمسة دراهم، وثمن بنت المخاض وهي أدنى الأسنان الواجبة في الإبل (٤٠) درهما، ولكن جاء في البخاري ما يفيد أن ثمن الشاة:(١٠) دراهم، في حديث الجبران «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة -