للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إحداهما: يحلف منهم خمسون خمسين يمينا.

والرواية الثانية: يحلف جميعهم، والذي ذكر ابن عبدوس، وابن المواز من رواية ابن القاسم، وابن وهب عن مالك: يحلف من الولاة خمسون، وقال المغيرة وأشهب وعبد الملك: وإن كانوا أكثر من خمسين وهم في العقد سواء ففي الموازية كالإخوة وغيرهم، فليس عليهم أن يحلف منهم إلا خمسون، وهذا المشهور من المذهب في كتب المغاربة من المالكيين، وإنما اختلفوا إذا كان الأولياء خمسين فأرادوا أن يحلف منهم رجلان خمسين يمينا، ففي المجموعة عن عبد الملك: لا يجزئهم ذلك وهو كالنكول.

وقال ابن المواز: ذهب ابن القاسم إلى أن يمين رجلين منهم خمسين يمينا يجزئ وينوب عمن بقي، قال محمد: وقول ابن القاسم صواب؛ لأن أهل القسامة تجزئ أيمان بعضهم عن بعض، ولو لم يجز ذلك ولم يقل أشهب إن كانوا ثلاثة يحلفون يمينا يمينا ثم يحلف عشرون منهم عشرون يمينا، ولو كانوا مائة متساوين أجزأ يمين خمسين، قال: وأما إذا تشاح الأولياء ولم يرضوا أن يحمل بعضهم عن بعض فلا بد من قول أشهب، وبه قال ابن القاسم.

فرع: وهذا إن كان إمساك من أمسك عن اليمين يحمل ذلك عنه، وأما إن امتنع عن اليمين فتسقط الدية، قاله ابن القاسم (١).

قال الباجي: مسألة: ولا يحلف في القسامة على قتل العمد أقل من اثنين قاله مالك في المجموعة، والموازية، قال ابن القاسم كأنه من ناحية الشهادة؛ إذ لا يقتل بأقل من شاهدين، قال أشهب وقد جعل الله لكل شهادة رجل في الزنا يمينا من الزوج في التعانه.

قال عبد الملك: ألا ترى أنه لا يحلف النساء في العمد لأنهن لا يشهدن فيه، وإنما عرضها النبي -صلى الله عليه وسلم- على جماعة، والجماعة اثنان فصاعدا، قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (٢). وأصل هذا ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه «قال للحارثيين " أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (٣)»، وإنما كان ولي الدم رجلا واحدا وهو عبد الرحمن بن سهل أخو المقتول عبد الله بن سهل وإنما كان حويصة ومحيصة ابني عم، فلما علق النبي -صلى الله عليه وسلم- الأيمان بجماعتهم ولم يقصرها على ولي الدم كان الظاهر أنها لا تثبت إلا في حكم الجماعة، وأقل الجماعة اثنان، وقد نص عليه ابن الماجشون واحتج عليه بآية الميراث {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (٤) ولا خلاف أن الأخوين يحجبان الأم عن الثلث إلى السدس، كما يفعل الثلاثة الإخوة ولا يحجبها الأخ الواحد لأن اسم الإخوة لا يتناوله.

فرق: والفرق بين ولاة القتيل لا يقسم منهم أقل من اثنين، ويقسم من جنبة القاتل واحد، وهو القاتل أن جنبة القاتل إذا عدم منها اثنان وبطلت القسامة في جنبته فرجعت في جنبة القاتل فإن لم يكن معه من يحلف معه من جهتهم كان للطالب بالدم ما يرجع إليه وهو أيمان القاتل وأولياؤه، ولو لم يقبل من القاتل، وقد يعدم أولياء


(١) المنتقى على الموطأ ج٧ ص ٥٨ - ٥٩.
(٢) سورة النساء الآية ١١
(٣) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٤) سورة النساء الآية ١١