المحاسبة، لم يجز. نص عليه أيضا؛ لأن الدنانير دين، والدراهم صارت دينا، فيصير بيع دين بدين. وإن قبض أحدهما مني الآخر ماله عليه، ثم صارفه بعين وذمة، صح. وإذا أعطاه الدراهم شيئا بعد شيء، ولم يقضه ذلك وقت دفعها إليه، ثم أحضرها، وقوماها، فإنه يحتسب بقيمتها يوم القضاء، لا يوم دفعها إليه؛ لأنها قبل ذلك لم تصر في ملكه، إنما هي وديعة في يده، فإن تلفت، أو نقصت، فهي من ضمان مالكها، ويحتمل أن تكون من ضمان القابض لها، إذا قبضها بنية الاستيفاء؛ لأنها مقبوضة على أنها عوض ووفاء، والمقبوض في عقد فاسد، كالمقبوض في العقد الصحيح، فيما يرجع إلى الضمان وعدمه. ولو كان لرجل عند صيرفي دنانير، فأخذ منه دراهم إدرارا، لتكون هذه بهذه، لم يكن كذلك، بل كان كل واحد منهما في ذمة من قبضه. فإذا أراد التصارف أحضرا أحدهما، واصطرفا بعين وذمة.
(فصل) ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر، ويكون صرفا، بعين وذمة، في قول أكثر أهل العلم، ومنع منه ابن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن شبرمة، وروي ذلك عن ابن مسعود؛ لأن القبض شرط وقد تخلف.
ولنا: ما روى أبو داود، والأثرم، في (سننهما) عن ابن عمر قال: «كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله، رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء (١)»، قال أحمد:(إنما يقضيه إياها بالسعر). لم يختلفوا أنه يقضيه إياها بالسعر، إلا ما قال
(١) سنن الترمذي البيوع (١٢٤٢)، سنن النسائي البيوع (٤٥٨٢)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٤)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٦٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٣٩)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨١).