ولما استعصت قريش، وصمت آذانها وأغلقت قلوبها وعقولها، اتجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، فلما وصلها عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم ثلاثة إخوة عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود بن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير، فردوه ردا غير جميل، فقال أحدهم وهو يمرط ثياب الكعبة: إن كان الله قد أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك كلمة أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول أنت أعظم خطرا من أن أرد عليك بالكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خبر ثقيف، وقد قال لهم فيما ذكره شيخ المؤرخين المسلمين الطبري وأنا أروي عنه:«إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني». وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى بستان لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يناجي ربه مناجاة الصابر المحتسب يطلب منه المدد والعون حيث قومه لا يستجيبون للنور ولا يلتقون على الخير، والطائف كانت أسوأ من مكة، وأقسى من قريش، فأخذ يقول كما يروي الطبري:«اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».