والواقع أن العالم كله لا يفقه القضية الفلسطينية أو القضية اليهودية، وإنما كل فئة تنظر إلى القضية من زاوية معينة تتفق مع مصلحتها، وهذه النظرة بالنسبة لمصالحها صحيحة، فالغرب ينظر إلى القضية على أنها امتداد للحروب الصليبية، وأن اليهود أداة في يديه لتمزيق الوطن الإسلامي والسيطرة على بلاد المسلمين وتهديدهم حتى لا يفيقوا مرة أخرى فيتعرضوا لقيادة الدنيا وإنقاذها مما تعانيه.
وروسيا تنظر إلى القضية على أن بقاء دولة اليهود في بلاد المسلمين أمر ضروري لإيجاد التناقض حسب الفكر المادي، ولذلك هي مع بقاء دولة اليهود، وتحارب الطبقة الحاكمة في إسرائيل حربا طبقية باعتبارها عميلة للغرب، ويهمها أن يبقى التناقض في المنطقة، وعدم الاستقرار؛ لأن ذلك حسب وجهة نظرها يغذي الحركة الشيوعية وينميها، وبعض الحكام في المنطقة يرون في دولة إسرائيل ضمانا لبقائهم فهم يريدون لها أن تبقى حتى يبقوا ولكن يريدون منها أن تتنازل عن بعض ما أخذته حتى يكون ذلك (انتصارا) ظاهريا يخدع به الشعب العربي والمسلمون من ورائهم، وأهل البلاد الذين أخرجوا من ديارهم (الفلسطينيون) ينظرون إلى القضية من زاوية أنهم شعب ظلم وشرد واضطهد، فهم يريدون حياة الاستقرار في الأرض التي ولدوا فيها أو نبت آباؤهم فيها أو دفن أجدادهم في ترابها فهم يحنون بفطرتهم إليها ولا يرون في الدنيا أرضا تكون بديلا لها وهذا صحيح، ولكن هذه النظرات المختلفة للقضية من زواياها المختلفة ليست هي القضية وإنما القضية تتعلق باليهود أو بغضب الله على اليهود المستمر عبر التاريخ بالعذاب الواقع بهم؛ نتيجة سوء تصرفهم وحقدهم على الإنسانية، فهذه حلقة من حلقات الغضب والسخط عليهم من الله، إن الله أخبر في القرآن في آيات الإسراء، كما أسلفت في أول البحث، وفي حديث البخاري ومسلم: إنه قبل قيام الساعة ستقوم لليهود دولة يتولى المسلمون تصفيتها، «حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله خلفي يهودي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود (١)».
* * *
(١) صحيح البخاري الجهاد والسير (٢٩٢٦)، صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (٢٩٢٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤١٧).