كانت الأرض تعج بملل شتى، بملل ونحل محرفة أو باطلة من أصلها من يهودية، ونصرانية، ومجوسية، وصابئة، وغير ذلك من أنواع الملل والنحل كان الناس في غاية من الجهل، وغاية من الاضطراب، وكل أهل ملة متى ظفرت بالأخرى قضت عليها، وأنهت وجودها؛ فكان الأمر دولا؛ يدال لهؤلاء تارة ولأولئك تارة أخرى.
فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم جعل بعثته رحمة للعالمين:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(١)، حقا إن بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ليست رحمة لأتباعه فقط، ولكنها رحمة لأهل الأرض كلهم.
أتباعه هم الذين انقادوا لشريعته، واتبعوا ملته فنالوا السعادة في الدنيا والآخرة؛ فهم سعداء في الدنيا باتباعه، وسعداء في الآخرة بما أعد الله لهم من النعيم المقيم، والذين لم يدخلوا في شريعته من أرباب الملل رحموا في الدنيا؛ بأن خلصوا مما كانوا يعانونه من نكبات ونكبات، ويعانونه من قتال، ويعانونه من سلب ونهب؛ فعاشوا جميعا تحت ظلال الإسلام.