للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال الكاتب: ومن قال كذلك، وصارت أحواله كلها بالله ولله، أمرنا باتباعه.

جوابه أن يقال: كيف تكون أحوال الصوفي كلها بالله ولله، مع أنه بشر يخطئ ويصيب ويرتكب الذنوب وهو محل النقص والتقصير في أداء حقوق ربه وفي شكر نعمه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} (١) وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومع ذلك فقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول في صلاته: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت (٢)» الخ.

فإذا كان صديق الأمة رضي الله عنه يعترف بأنه قد ظلم نفسه ظلما كثيرا فكيف يكون المتصوف معصوما وأحواله كلها بالله ولله، ونحن لا ننكر أن الله تعالى قد يوفق بعض أحبابه لتكون حركاته بالله، كما في الحديث القدسي عند البخاري عن أبي هريرة وفيه: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به (٣)» فإن معنى ذلك تسديده في أقواله وأفعاله، ولكنا لا نستطيع الجزم لشخص بعينه بأن أحواله كلها بالله ولله كما ذكر هذا الكاتب، فأما قوله: أمرنا باتباعه فغير صحيح، فإن أغلب الصوفية سيما المتأخرين لهم شطحات خاطئة لا يجوز شرعا اتباعهم فيها فقد ظهر بعدهم فيها عن الصواب لهم أيضا طرق وأحوال مبتدعة كالسماع والرقص والخلوة الطويلة والبعد عن العلم والعلماء والاستغناء عن الوحي بالأوهام وحديث النفس الذي يخيل أنه وحي إلهام، فكيف يسوغ اتباعهم في هذه البدع ونحوها وبأي نص أمرنا بذلك، مع العلم بأن الاتباع إنما يجب للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المبلغ عن الله، وقد ورد الأمر بذلك كما في قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (٤) وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (٥) وأن يطاع ويتبع المخلوق متى وافق أمر الله ورسوله، فيكون اتباعه


(١) سورة إبراهيم الآية ٣٤
(٢) رواه البخاري برقم ٨٣٤ عنه رضي الله عنه.
(٣) في البخاري برقم ٦٥٠٢.
(٤) سورة الأعراف الآية ١٥٨
(٥) سورة آل عمران الآية ٣١