للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قواهم، فكلما سمع الناس قصدهم إلى بلد فروا من مواجهتهم. وقد سهل هذا الرعب لهؤلاء الغزاة المعتدين سبيل النصر والغلبة.

وكان الخليفة المستكفي بالله والسلطان الناصر مقيمين في مصر - كما هو معلوم - ويبدو أن أخبار عزم التتار على تجديد حملاتهم لدخول بلاد الشام وإزالة دولة المماليك بلغ المسئولين في مصر، فعمل العلماء وأولو الفكر والرأي على إشراك الخليفة والسلطان في مواجهة هؤلاء الغزاة، وقام شيخ الإسلام ابن تيمية بمهمة جسيمة في هذا المجال.

ففي شهر رجب من سنة ٧٠٢هـ قويت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام، فانزعج الناس لذلك، واشتد خوفهم جدا كما يقول الحافظ ابن كثير (١)، وقنت الخطيب في الصلوات، وقرئ البخاري، وهذه عادة كانوا يستعملونها في مواجهة الأعداء، فيعمدون إلى قراءته في المسجد الجامع (٢).

وشرع الناس في الهرب إلى الديار المصرية والكرك والحصون المنيعة، وتأخر مجيء العساكر المصرية عن إبانها فاشتد لذلك الخوف.

قال ابن كثير:

(وفي يوم السبت عاشر شعبان ضربت البشائر بالقلعة- أي قلعة دمشق - وعلى أبواب الأمراء بخروج السلطان بالعساكر من مصر لمناجزة التتار المخذولين. . . وفي ثامن عشر من شعبان قدمت طائفة كبيرة من جيش المصريين، فيهم كبار الأمراء من أمثال (ركن الدين بيبرس الجاشنكير وحسام الدين لاجين وسيف الدين كراي).

ثم قدمت بعدهم طائفة أخرى فيهم بدر الدين أمير السلاح وأيبك الخزندار.

فقويت القلوب في دمشق، واطمأن كثير من الخلق، ولكن الناس في الشمال سيطر


(١) ((البداية والنهاية)) ١٤/ ٢٢
(٢) انظر كتابي ((الحديث النبوي)) ط ٤ صفحة ١٣ - ١٤.