للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم الذعر، واستبد بهم الفزع، فنزح عدد عظيم من بلاد حلب وحماة وحمص وتلك النواحي، وتقهقر الجيش الحلبي والحموي إلى حمص. . ثم خافوا أن يدهمهم التتار فنزلوا إلى المرج.

ووصل التتار إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك البلاد فسادا، وقلق الناس قلقا عظيما لتأخر قدوم السلطان ببقية الجيش، وخافوا خوفا شديدا، وبدأت الأراجيف تنتشر وشرع المثبطون يوهنون عزائم المقاتلين ويقولون:

لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لقلة المسلمين وكثرة التتار.

وزينوا للناس التراجع والتأخر عنهم مرحلة مرحلة.

ولكن تأثير العلماء ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية كان يتصدى لهؤلاء المرجفين المثبطين، حتى استطاعوا أن يقنعوا الأمراء بالتصدي للتتار مهما كان الحال.

واجتمع الأمراء وتعاهدوا، وتحالفوا على لقاء العدو، وشجعوا أنفسهم ورعاياهم، ونودي بالبلد دمشق أن لا يرحل منه أحد، فسكن الناس وهدأت نفوسهم، وجلس القضاة بالجامع يحلفون جماعة من الفقهاء والعامة على القتال، وتوقدت الحماسة الشعبية، وارتفعت الروح المعنوية عند العامة والجند، وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أعظم التأثير في ذلك الموقف، فلقد عمل على تهدئة النفوس، حتى كان الاستقرار الداخلي عند الناس، والشعور بالأمن ورباطة الجأش.

ثم عمل على إلهاب عواطف الأمة، وإذكاء حماستها، وتهيئتها لخوض معركة الخلاص. . ثم توجه بعد ذلك ابن تيمية إلى العسكر الواصل من حماة، فاجتمع بهم في القطيفة (١)، فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحلفوا معهم.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يحلف للأمراء والناس: إنكم في هذه الكرة منصورون.


(١) بلدة على طريق القادم إلى دمشق من حمص - انظر الخريطة - وهي على بعد ٤٠ كم من دمشق