للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دين الله أحق أن يقضى (١)»، وبقوله - عليه السلام - في حديث بريرة: «كتاب الله أحق وشرط الله أوثق (٢)».

قال أبو محمد - رحمه الله -: فلما اجتمع حقان أحدهما لله والثاني لولي المقتول كان حق الله تعالى أحق بالقضاء، ودينه أولى بالأداء، وشرطه المقدم في الوفاء على حقوق الناس، فإن قتله الإمام أو صلبه للمحاربة كان للولي أخذ الدية في مال المقتول؛ لأن حقه في القود قد سقط فبقي حقه في الدية أو العفو عنها على ما بينا في كتاب القصاص، ولله الحمد. فإن اختار الإمام قطع يد المحارب ورجله أو نفيه أنفذ ذلك، وكان حينئذ للولي الخيار في قتله أو الدية أو المعاداة أو العفو؛ لأن الإمام قد استوفى ما جعل الله تعالى له الخيار فيه، وليس هاهنا شيء يسقط حق الولي إذ ممكن له أن يستوفي حقه بعد استيفاء حق الله تعالى، ولقد تناقض ههنا الحنفيون والمالكيون أسمج تناقض؛ لأنهم لا يختلفون في الحج والصيام والزكاة والكفارات والنذور، بأن حقوق الناس أولى من حقوق الله تعالى، وأن ديون الغرماء أوجب في القضاء من ديون الله تعالى، وأن شروط الناس مقدمة في الوفاء على شروط الله تعالى، وقد تركوا هاهنا هذه الأقوال الفاسدة. وقدموا حقوق الله تعالى على حقوق الناس، وبالله تعالى التوفيق.

ثم قال (مسألة): هل يبادر اللص أم يناشد؟ قال أبو محمد - رحمه الله -: نا أحمد بن محمد بن الجسور، نا أحمد بن الفضل الدينوري، نا محمد بن جرير الطبري، نا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى قالا جميعا: نا أبو عامر العقدي، نا عبد العزيز بن المطلب، عن أخيه الحكم بن المطلب، عن أبيه - هو المطلب بن حنطب - بن فهيذ بن مطرف الغفاري «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله سائل: إن عدا علي عاد فأمره أن ينهاه ثلاث مرات، قال: فإن أبى علي؟ فأمره بقتاله، وقال - عليه السلام -: إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار (٣)».

حدثنا يوسف بن عبد البر النمري، نا عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الضبي، نا العقيلي، نا جدي، نا بعلي بن أسد العمي، نا محمد بن كثير السلمي، هو القصاب، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدار حرم، فمن دخل عليك حرمك فاقتله (٤)».

قال أبو محمد - رحمه الله -: الحديث الأول ليس بالقوي، ففيه الحكم بن المطلب، ولا


(١) صحيح البخاري الحج (١٨٥٢)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٦٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٤٠)، سنن الدارمي النذور والأيمان (٢٣٣٢).
(٢) صحيح البخاري العتق (٢٥٦٣)، صحيح مسلم العتق (١٥٠٤)، سنن الترمذي الوصايا (٢١٢٤)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٥١)، سنن أبو داود العتق (٣٩٢٩)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٥٢١)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٨٢)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥١٩).
(٣) مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٤٢٣).
(٤) مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٢٦).