للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{رِجْسٌ} ١، وكوصفه الزنى بأنه {كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} ٢ وكوصفه المحيض بأنه {أَذًى} ٣.

فهل كانت هذه الموصوفات قبيحة فاسدة قبل مجيء النص، ومنذ كانت، أم أنها لم تتصف بالضرر والأذى إلا بعد أن جعلها النص كذلك؟

إن الله تعالى لم يخبرنا بأن الخمر والميسر. قد صارت رجسا، وأن الزنى قد صار فاشحة، وأن المحيض قد أصبح أذى، بل يخبرنا وينبهنا على ما هي عليه، ليرتب على ذلك التحريم والتحذير.

ففساد الخمر والميسر، وفحش الزنى، وأذى المحيض، أمور قائمة واقعة قبل النص وبعده. لا كما ذهب ابن حزم -وهو موافق في هذا لنظرية الأشاعرة، وإن كان من أشد خصومهم- حيث يرى: أن الميسر لم يعهد منه -قبل التحريم- إيقاع عداوة بين الناس، ولا أذهب عقل أحد منهم، ولم يعهد إلا موافقًا للناس نافعًا لهم! وكذلك الخمر -عنده- ليست مفسدة لأخلاق جميع الناس، "بل نجد كثيرًا من الناس يبكون إذا سكروا، ويكثرون ذكر الآخرة والموت, والإشفاق من جهنم، وتعظيم الله تعالى، والدعاء في التوبة، والمغفرة. ونجدهم يكرمون حينئذ ويحملون٤، ويزول عنهم كثير من سفههم وتؤمن غوائلهم"٥!!

وقديمًا تعلل المشركون -فيما كانوا عليه من فواحش- بكونها من فعل أسلافهم، وأن الله أمر بذلك، فزجرهم الله تعالى بقوله: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} ٦.


١ سورة المائدة، ٩٠.
٢ سورة الإسراء، ٣٢.
٣ سورة البقرة، ٢٢٢.
٤ أي يصيرون كرماء حلماء.
٥ الإحكام، ٨/ ٨٨.
٦ سورة الأعراف، ٢٨.

<<  <   >  >>