للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هكذا بكل راحة بال يستسهل باحث كبير ومفكر شهير، الجزم بأن فكرة المقاصد أخذها الشاطبي عن ابن رشد! ولا استدراك ولا احتمال! ولا إثبات ولا استدلال!

ولو أن الدكتور الجابري ألزم نفسه بما شرطه على قارئ الشاطبي، من أنه لن يستطيع فهم أغراضه وإدراك جوانب التجديد في فكره وتفكيره، إلا إذا توفر فيه شرطان اثنان: أولهما، سعة الاطلاع، ليس على ميدان الفقه وأصوله وحسب، بل على مختلف فروع الثقافة العربية، من تفسير وحديث وفقه وأصوله وكلام ومنطق وفلسفة وتصوف"١.

لو أنه التزم بهذا، وبصفة خاصة سعة الاطلاع على الفقه وأصوله، وهما المرتع الطبيعي، والمنبت الطبيعي، للشاطبي ونظريته، لما بقي أسير لبعض ألفاظ استعملها ابن رشد في مجال العقيدة، حتى جعل منها الأستاذ الكريم مفتاحًا لتفسير ما جاء به الشاطبي عن مقاصد الشريعة، وحتى وصل به الحماس إلى حد اعتبار أن خطاب الشاطبي حول مقاصد الشريعة، كان جديدًا "كل الجدة"٢.

ويبقى أن أشير إلى أمر له دلالته في موضوعنا، وهو أن الشاطبي لا يكاد يذكر ابن رشد الحفيد. أما ابن رشد الذي ذكره مرارا ونقل عنه واعتمد عليه، فهو ابن رشد الجد. فهو المقصود عند الشاطبي -وغيره- عندما يقول: ابن رشد، بهذا الإطلاق. "أعني في مجال الفقه خاصة". فلو أن همة الباحثين عن جذور نظرية الشاطبي اتجهت إليه وإلى تراثه الفقهي الضخم، لكان ذلك أفيد وأقرب إلى طبيعة الأمور، لما هو ثابت من اعتماد الشاطبي عليه واستشهاده به، ولكونه زعيم فقهاء الأندلس ومرجعهم في دقائق المذهب وغوامضه وخفاياه، وقد قدم للفقه المالكي من "البيان والتحصيل"٣ ما جعل المتأخرين عنه عالة عليه.


١ نفس المرجع، ٥٥٢.
٢ نفس المرجع، ٥٠٢.
٣ اسم كتابه الضخم، وقد طبع مؤخرًا في عشرين جزءًا.

<<  <   >  >>