للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمفروض إذن، أن ابن عبد السلام قد عمل في هذا الكتاب، على ربط الأحكام الشرعية بأصولها ومقاصدها المجموعة في هذه الآية. وهذا عمل جليل فريد من نوعه.

فهل يكون هذا الكتاب، والكتاب السابق، باقيين على قيد الحياة؟ سؤال لا أملك إلا أن أضعه بين أيدي المختصين وذوي الهمم من الباحثين.

وأعود إلى الكتاب المتوفر بين أيدينا، وهو "قواعد الأحكام" لأقدم بعض فقراته الجامعة في موضوع المقاصد:

ومنذ بداية الكتاب نجده ينص على أن: "معظم مقاصد القرآن: الأمر باكتساب المصالح وأسبابها، والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها"١.

وهو ممن يرون أن الشريعة الإسلامية كلها، معللة بجلب المصالح ودرء المفاسد، سواء منها ما وقع النص على تعليله أو ما لم ينص عليه. فما نص على تعليله فيه تنبيه على ما لم ينص عليه. ويوضح هذا بقوله: "والشريعة كلها مصالح: إما تدرؤ مفاسد أو تجلب مصالح. فإذا سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلا خيرًا يحثك عليه، أو شرا يزجرك عنه، أو جمعًا بين الحث والزجر. وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد، حثا على اجتناب المفاسد، وما في بعض الأحكام من المصالح حثا على إتيان المصالح"٢.

ويؤكد -في موضع آخر- هذه "الكلية" في تعليل أحكام الشرع، وأنها -كلها-تقصد مصلحة العباد، فيقول: "التكاليف كلها راجعة إلى مصالح العباد في دنياهم وأخراهم. والله غني عن عبادة الكل، لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين"٣. ويعرف كلا من مصالح الآخرة ومفاسدها، ومصالح


١ قواعد الأحكام، ١/ ٨.
٢ قواعد الأحكام، ١/ ١١.
٣ قواعد الأحكام، ٢/ ٧٣

<<  <   >  >>