فالبحوث التي وصلت إلينا في هذا الموضوع، الدكتور رفيق المصري مال إلى جواز ضع وتعجل واستدل بقصة بني النضير كما سيأتي إن شاء الله، وأما الدكتور نزيه كمال حماد فقد ذكر مذاهب الفقهاء ولم يبت فيه بالأخذ بأحد هذه الأقوال. والأصل أن هناك حديثين مرفوعين متعارضين وفي إسناد كل واحد منهما ضعف.
أما الحديث الأول، فقد أخرجه البيهقي بإسناده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج بني النضير من المدينة جاءه ناس منهم فقالوا: يا رسول الله إنك أمرت بإخراجهم ولهم على الناس ديون لم تحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ضعوا وتعجلوا)) .
وهذا الحديث يدل على الجواز، ويعارضه ما أخرجه البيهقي في الباب اللاحق عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: أسلفت رجلًا مائة دينار، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: عجل لي تسعين دينارًا وأحط عشرة دنانير، فقال: نعم، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" أكلت ربا يا مقداد وأطعمته؟ ".
وقد صرح الإمام البيهقي رحمه الله تعالى، بأن كل واحد من الحديثين ضعيف من جهة الإسناد، فلا تقوم أي منهما حجة. ورجح جمهور الفقهاء جانب الرحمة، لأن زيادة الدين في مقابلة التأجيل ربا صراح، فكذلك الحط من الدين بإزاء التعجيل في معناه.
أما قصة بني النضير، ليس فيه حجة، أما أولًا فلأن إسنادها ضعيف، وأما ثانيًا فلأنه لو ثبتت هذه القصة من جهة الإسناد، فيمكن أن يقال: إن قصة إجلاء بني النضير وقعت في السنة الثانية من الهجرة، وذلك قبل نزول حرمة الربا.
وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله هذه القصة في شرح السير الكبير، واستدل بها على مذهبه المعروف على أنه لا ربا بين المسلم والحربي. قال: ولما أجلي بنو النضير قالوا: إن لنا ديونًا على الناس، فقال: ضعوا وتعجلوا، ومعلوم أن مثل هذه المعاملة لا يجوز بين المسلمين، فإن من كان له على غيره دين إلى أجل، فوضع عنه بعضه بشرط أن يعجل بعضه لم يجز.