للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما على صعيد المحور الثقافي: فنود أن نقف عنده قليلًا، ونورد له بعض الأمثلة، التي تبين عمق المأساة الثقافية، التي ابتلي بها الشعب الإيراني.

وقبل كل شيء، يجب أن نتذكر أن المطبوعات والكتب والصحف كانت حكرًا على النظام، ومن يسمح لهم النظام بنشر كتبهم، اللهم إلا ما شذ وندر ـ وقد عاث العملاء الفكريون في إيران فسادًا ما له نظير ـ.

فلنركز على الحقبة الأخيرة من تاريخ إيران، لنقف مجملًا على بعض الخطوط الفكرية التي طرحت نفسها على الساحة باسم المثقفين، أو منوري الفكر ـ كما كانوا يطلقون على أنفسهم ـ لنعرف أنهم كانوا أهم مسرب للفكر والثقافة الغربية إلى الساحة الإيرانية.

والملحوظ في الأمر أن هذه الحركة طرحت شعارات أخاذة تستهوي إليها القلوب. وقد مر بنا، أن هذا يعد من أهم أساليب الاستكبار، في عملية الاختراق، نحو جسم الأمة.

فمن هذه العناوين: فكرة (البروتستانتية الإسلامية!!) .

وكان الأرمني الميرزا يعقوب خان ـ وهو عميل إنكليزي معروف ـ في طليعة من طرحوا هذه الفكرة. فهو يكتب من حدود سنة ١٢٩٠هـ إلى الشاه ناصر الدين، متحدثًا عن (لزوم المزج بين الإسلام والعلوم الغربية) ، فيقول: "إن انطلاقة الرقي، وضرورة الإصلاحات، يمكن الاستجابة لها بكل سهولة، من خلال خلق نوع من الانسجام بين المقررات والمناسبات القديمة، والمناسبات ومقتضيات المقررات الحديثة في هذا العصر".

ويستطرد قائلًا:

"لقد انمحت ـ الآن ـ ضرورة الجهاد في المجال الديني ـ تمامًا ـ وما علينا بعد هذا إلا تعميم الجهاد في الأمور الدنيوية هذه". (١)

ويبدو ـ من هذا النص ـ كيف حاول هذا الأرمني الحاقد أن يبقى لفظ الجهاد، مبعدًا إياه عن موضع الخطر على العدو المهاجم.

إلا أن الأخطر من هذا الميرزا كان ولده الميرزا ملكم خان، هذا العقل المفكر للماسونية في إيران، والمعتبر أبا للمثقفين الإيرانيين.

يكتب الميرزا ملكم خان عن نفسه: "لقد صممت أطروحة أمزج فيها بين عقل السياسة الغربية، وحكمة الديانة الشرقية، وقد علمت أن تغيير إيران إلى الشكل الأوروبي سعي لا نفع فيه، ومن هنا عرضت فكرة التطور المادي في إطار ديني، ليدرك المواطنون تلك المعاني جيدًّا، وقد دعوت أحبة وأناسًا معتبرين وفي محفل خاص، تحدثت عن لزوم (تهذيب الإسلام) " (٢) .

وقد جاءت على لسان هذا العميل ألفاظ، من قبيل:

(إسلام العلم) ، (إسلام الحب) ، (إسلام العقل) وأمثالها، محاولًا ـ بذلك ـ تعميق ما يريد من هدف خبيث.

وعلى هذا الغرار جرى الميرزا يوسف خان، فهو يقول: "نعم، إن على الإنسان ـ دائمًا ـ أن يقوم بعملية تكميل وتغيير لقوانين الماضين، وفقًا لمقتضيات عصره واحتياجاته.. ومن بين الغربيين نجد دولة الإنكليز مدافعة دائمًا عنا، وإني لسعيد أن تفقد الدولة العثمانية عدة الولايات، ولا تفقد الدعم والتأييد من قبل الشعب الإنكليزي".

وهكذا نصل إلى الميرزا فتح على أخوند زاده، الذي يعلن بكل صراحة؛ لأنه إنسان تحميه روسيا (عميل روسي) وأنه جاء لهدم الدين والرجعية، وإيقاظ شعوب آسيا من نوم الغفلة والجهل، وإثبات وجوب البروتستانتية الإسلامية.


(١) كتاب فكرة الرقي لفريدون آدميت، وهو أحد الماسونيين: ص ٤٥ ـ ٤٨
(٢) كتاب فكرة الرقي لفريدون آدميت، وهو أحد الماسونيين: ص ٦٤ ـ ٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>