للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الثالث: الذي يجب بحثه إذا كان الأداء عن القاتل بسبب عفو ولي الدم، وعجز عن أداء ما وجب عليه، أتجب الدية على بيت المال؟ إن الذين قالوا: إن ما يجب من مال يكون بصلح، يعتبرونه دينا كسائر الديون يكون الأداء فيه عند الميسرة، لقوله تعالى في شان الديون: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] .

والذين قالوا: إن الواجب هو الدية، وتكون على الجاني لا ينقلونها إلى بيت المال، ولكن تكون نظرة إلى ميسرة، وهم لا يقررون انتقال الدين إلى بيت المال في حال ما إذا كان الأداء واجبًا على العاقلة، فأولى ألا ينتقل الأداء إليه، عندما يكون الوجوب عن الجاني نفسه، والأمر في هذا يرجع إلى الذين عفوا، فعليهم الانتظار حتى يتيسر، والله تعالى يقول: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] وليس من الاتباع بالمعروف اتباع المعسر، كما أنه ليس من الأداء بإحسان المطل.

ويصح أن يكون الأداء من بيت مال الزكاة من سهم الغارمين المذكور في القرآن الكريم، وقد بينا ذلك في بحث الزكاة فارجع إليه (١) .

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم – رئيس القضاء السابق بالمملكة العربية السعودية – رحمه الله: ما يجب على بيت المال دفعه من الديات والديون في حالات:

الأولى: إذا مات أحد المسلمين وعليه دين دية أو غيرها من الديون، ولم يخلف له وفاء فعلى ولي الأمر قضاؤه من بيت المال كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة.

الثانية: إذا جنى إنسان على آخر فقتله وكانت الجناية خطأ أو شبه عمد ولم يكن له عاقلة موسرة، فالمشهور من المذهب أن الدية تكون في بيت المال، وإن كان له عاقلة موسرة فعليها الدية إن صدقته.

الثالثة: إذا حكم القاضي بالقسامة في قضية القتل، فنكل الورثة على حلف أيمان القسامة ولم يرضوا بيمين المدعى عليه وداه الإمام من بيت المال.

الرابعة: كل مقتول جهل قاتله: كمن مات في زحمة أو طواف أو نحو ذلك فديته في بيت المال، أما الدية التي يحكم بها على الجاني لكون القتل عمدا فتجب عليه في ماله حالة، وتكون من ضمن الديون في ذمته: إن كان موسرا ألزمه الوفاء، وإن كان معسرا فنظرة إلى ميسرة، ويسوغ أن يدفع له في حالة إعساره من الزكاة ما يوفي به هذه الدية لأنه من الغارمين الذين هم أحد أصناف الزكاة الثمانية، فإن مات مدينا فعلى ولي الأمر قضاء دينه من بيت مال المسلمين. قال الشيخ تقي الدين: وتؤخذ الدية من الجاني الخطأ عند تعذر العاقلة في أصح قولي العلماء إذا رأى الإمام المصلحة فيه، ونص على ذلك الإمام أحمد، ويتوجه أن يعقل ذوو الأرحام عند عدم العصبة إذا قلنا: تجب النفقة عليهم (٢) .


(١) العقوبة في الفقه الإسلامي (ص ٦٣٣ – ٦٣٤)
(٢) الاختيارات الجلية للشيخ البسام بأسفل نيل المآرب: ٤ / ٤١٣ – ٤١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>