ومن المعلوم أن الدول قد خصصت طرقا للسيارات لا يمر فيها المشاة، ولا تسمح لمالكي المواشي أن يتركوا مواشيهم مهملة عند هذه الطرق، وذلك لما يترتب من حوادث السير عندما تمر الماشية أمام السيارة ويحصل الاصطدام، ويؤدي ذلك إلى تلف في الأرواح والممتلكات، فإذا خالف أرباب المواشي التنبيهات والأوامر التي يصدرها ولي الأمر، وتركوا مواشيهم ترعى بالقرب من طريق السيارات ولم يحفظوها ويمنعوها عن الذهاب إلى طرق السيارات، فما الحكم إذا حصلت الأضرار بسبب اعتراض البهيمة لطريق السيارة وحصول الاصطدام؟
لا شك أننا لم نجد نصا فقهيا واضحا يتعلق بهذا الموضوع، وفقهاؤنا معذورون في ذلك لعدم وجود السيارات في عصرهم، وقد اقتصر بحثهم على ما تتلفه البهائم مستندين إلى حديث البراء بن عازب ((قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية على أهل الماشية)) ، وحديث ((العجماء جبار)) وبسبب تعارض هذين الحديثين اختلفت وجهات نظر الفقهاء، وبعضهم وفق بين الحديثين، فتكون جنايتها جبار في حال وغير جبار في حال أخرى، فذكر الفقهاء مسائل فضمنوا المالك ما تتلفه بهيمته إذا فرط في حفظها، كما ضمنوا راكب البهيمة المتصرف فيها، وكذا السائق والقائد جناية يدها وفمها ووطئها برجلها، ولا يضمن من نفحت برجلها أو بذنبها، لأنه لا يمكنه أن يمنعها منه، ومن نفر البهيمة أو نخسها ضمن وحده جنايتها دون المتصرف فيها لأنه المتسبب، ومن ذلك أيضا لو حل رباطا عن نحو فرس أو حل قيدا عن مقيد فذهب ما فيه أو تلف ما فيه شيء ضمنه، لأنه تلف بسبب فعله كربط دابة في طريق ضيق أو طرح نحو حجر بها فيضمن ما تلف بذلك، وكذا لو ربط دابة أو أوقفها بطريق واسع ويده عليها فأتلفت شيئا أو جنت بيدها أو رجلها أو فمها ضمن، ومثله لو اقتنى كلبا عقورا فيضمن إذا عقر.