للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتصدى لهم ولغيرهم الأئمة وأصحابهم في دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم للرد عليهم. (١) وقد ترك لنا رجال تلك الفترة مصنفات هامة تقف في وجه الافتراءات والإفك، وتبطل مزاعم الغواة الضالين المحاربين لدين الله وسنة رسوله، كما تشحذ العقول بما فيها من علم وتحقيق وبيان وتفصيل، مثل كتاب اختلاف الحديث للشافعي، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، ومعاني الآثار، ومشكل الآثار للطحاوي، وتآليف أخرى كثيرة، مثل دواوين السنة، والمعاجم، والمشيخات، والمسلسلات، والطبقات، والموضوعات، وعلوم الحديث والمصطلح، وما تعاقب ظهوره على مر العصور من تصانيف في السنة وفي الدفاع عنها، إلى جانب مجموعة معتبرة من المؤلفات في الفرق والمذاهب الكلامية.

وقد أغنى، بحمد الله، ذلك جميعه عن الوقوف عند أهل هذه النزعة الباطلة من السابقين المتقدمين زماناً، لانكشاف أمرهم وتمام المعرفة من العلماء والمثقفين بهم، فحملنا هذا الواقع على الالتفات في هذا المقام إلى الموجة الحديثة لهذا التيار الهدام، والتي بدأ ظهورها في القرن الثالث عشر على أيدي المستشرقين في الشرق والغرب، وعلى أيدي أتباعهم ومقلديهم من المتغربين بالبلاد العربية والإسلامية.

وإذا كان من الطبيعي أن يجاري الدرس والبحث هذه القضية في مراحلها المتعددة وأطوارها المتلاحقة، فيبدأ بالنظر في المقدمات للخلوص إلى النتائج، وفي القواعد والأصول للانتهاء إلى التفاصيل والاتجاهات، فإن الحديث عن المستشرقين في هذه المسألة يعتبر المدخل إلى معرفة أسباب الفتنة في العصر الحديث، والمنطلق لظهور الآراء والأفكار التي انتشرت بانتشار مدارس المستشرقين وكتبهم، وبفضل هيمنتهم على الحياة الثقافية ومرجعيتهم فيها في ديارهم وخارج ديارهم، على الأقل فيما يعود إلى ما عكفوا عليه وتخصصوا فيه من موضوعات التراث العربي الإسلامي. وقد حصل لهم ذلك من جهة بما لبسوه على الناس، وتظاهروا به من منهجية، وبما حاولوا الاتصاف به من موضوعية في البحث، واستقلال في النظر، ومن جهة ثانية بخلو المجال لهم من أية منافسة تقطع عليهم الطريق، وتعوقهم عن تحقيق أهدافهم، لا سيما مع من يتعامل معهم من العامة أو من الخاصة الذين لم يشدوا من العلم الإسلامي والثقافة الإسلامية شيئاً.


(١) السيوطي. مفتاح الجنة: ٦- ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>