للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المستشرقون فقد كان غرضهم الأول التشكيك في الأخبار، والإبطال للسنة، وحمل الناس وبخاصة من خالطهم ومن ليس له حظ من العلم الديني على القول بأنها كلها موضوعة حتى المتواتر منها، أو على اعتقاد أن أحاديث كثيرة نبوية زائفة لا تقبل، أو أن أسانيد الحديث النبوي عملية ملفقة، أو أن نصف الأحاديث النبوية في صحيح البخاري ليست أصيلة وغير موثوق بها. وهي لعمري دعاوى واتهامات خطيرة بعضها أشد من بعض، يؤكد بعضها بعضاً، وهي كلها في الواقع متفقة على القدح في الأخبار والصرف عن العمل بها. فإذا تم لهم ما يريدون انهد المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية الذي يقوم على سيرة الرسول وهديه وبيانه، والذي بينا أهميته، وألمعنا إلى عظيم منزلته، وشديد اهتمام السلف وعلماء الملة به، الذين أطلقوا عليه اسم العلم، وقصروه عليه عهداً، وبذلوا ما بذلوا من جهود في خدمته وضبطه.

ومن أجل تأصيل ما دعا إليه وروجه المستشرقون من المفتريات، وتسويغ أفكارهم أدنى تسويغ ذهب جولدزيهر ومن لف لفه إلى إشاعة بعض الآراء في أوساطهم، وبين طلبتهم ليتلقفها عنهم المهتمون بالدراسات الإسلامية في المشارق والمغارب. فكان من هذا القبيل قولهم: (إن القسم الأكبر من الحديث ليس صحيحاً ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود المسلمين في عصر النهضة) . (١)

وهذه الجملة المتكونة من شقين، وإن قامت على إنكار صحة الأحاديث واعتبارها موضوعة في جملتها تدس عن طريق ذلك:

أولاً: عدم تمثيل ما كان يجري في العصر الأول الإسلامي من التحمل للحديث وروايته عن الرسول أو الصحابة، وعدم صحة ما نعرفه من طرق الرواية للسنة من أسباب صدورها عن النبي أو ملابساتها. فلا الأقوال ولا الأفعال ولا التقريرات على هذا الأساس بمسلمة أو مقبولة. ولا الجانب التاريخي الذي تسجله وتشهد له تلك الأخبار بواقع.


(١) علي حسن عبد القادر، نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: ١٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>