للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا ولى المتحاملون على السنة النبوية وجوههم قبل الحياة الاجتماعية والظروف السياسية قالوا:) سار الحديث في القرن الأول سيرة المعارضة الساكنة، بشكل مؤلم ضد أولئك المخالفين، يعنون الأمويين، للسنن الفقهية والقانونية ((١) فأساءوا) للعلماء الأتقياء الذين كانوا يجمعون الحديث والسنة حين اتهموهم بالكذب على الرسول، وهم يعلمون وعيد النبي على ذلك في قوله: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) ، (٢) وحين نسبوا إليهم (اختراع أحاديث كثيرة كانوا في أشد الحاجة إليها لمحاربة خصومهم، ومقاومة الطغيان والإلحاد، والبعد عن سنن الدين) . (٣) (ووقعوا في الخطأ مرة أخرى حين اتهموا الحكومة الأموية بأنها لم تقف ساكنة إزاء ذلك، فإذا أرادت أن تعمم رأياً، أو تسكت هؤلاء الأتقياء، تذرعت أيضاً بالحديث الموافق لوجهات نظرها. فكانت تعمل ما يعمله خصومها، فتضع الحديث أو تدعو إلى وضعه، وإذا ما أردنا أن نتعرف على ذلك كله، فإنه لا توجد مسألة خلافية، سياسية أو اعتقاديه، إلا ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي) (٤) .

وهذا الوصف وإن قامت عليه شواهد مما ذكره الأئمة النقاد، مما تبارى فيه الوضاعون من أهل هذا العصر، لكننا لا نجد في الثابت من مدونات السنة، مع كثرتها، سنداً فيه عبد الملك أو يزيد أو الوليد أو أحد عمالهم؛ كالحجاج وخالد القسري وأمثالهم، ولا دليلاً واحداً على طلب الحكومة من يصنع لها الأحاديث. (٥)

ولفقوا التهم لتمرير هذه المقولة، ونسبوا للأمويين استغلالهم للزهري في هذا الأمر الجلل. وطعنوا في الإمام طعوناً، وحرفوا قوله: (إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة الأحاديث) بقولهم: (على كتابة أحاديث) ، وكل المؤرخين يعرفون منزلة هذا الإمام ومقامه العظيم في علم السنة. فهو الذي حفظ عنه: (ما عبد الله بشيء أفضل من العلم. وإن هذا العلم أدب الله الذي أدب به نبيه عليه الصلاة والسلام، وهو أمانة الله إلى رسوله ليؤديه على ما أدى إليه. فمن سمع علماً فليجعله أمامه حجة فيما بينه وبين الله عز وجل) ، كما روي عنه قوله: (إن للتعليم غوائل، فمن غوائله أن يتركه العالم حتى يذهب علمه، ومن غوائله النسيان، ومن غوائله الكذب فيه، وهو أشد غوائله) .


(١) علي حسين عبد القادر. نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: ١٢٧
(٢) خ. كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث مشهور أخرجته أكثر المصادر
(٣) علي حسين عبد القادر، نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: ١٢٧
(٤) علي حسين عبد القادر، نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: ١٢٧
(٥) السباعي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: ٢٠٥

<<  <  ج: ص:  >  >>