للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- ٣- أثر تغير أسعار العملة بعد إبرام العقود:

بداية علينا أن نصوغ التساؤل المراد معرفة حكمه الشرعي بقدر كبير من الوضوح. في حال العقود التي ترتب حقوقاً والتزامات مستقبلية، بفرض أنه عند سداد هذه الالتزامات أو الوفاء بهذه الحقوق تغيرت أسعار العملة التي أبرمت بها سلفاً هذه العقود، فما الذي يسدد، هل هو مثل العملة التي هي محل العقد وزناً أو عدداً أو هو قيمتها؟ وإذا كان قيمتها فقيمة أية لحظة زمنية هي المعتبرة؟

هذا هو السؤال الذي تناوله الفقهاء على اختلاف مذاهبهم بالإجابة، ولعلنا نلاحظ أنه مهما كانت نوعية الإجابة فإننا لسنا أمام عملية ربط قياسي كما نعرفها اليوم، وإنما نحن أمام أمر واقع واتفق عليه سلفاً ثم تغير عند حلول موعد السداد فما الذي يسدد؟

بدراسة موقف الفقهاء حيال هذا الموضوع بغض النظر عن مذاهبهم تبين لنا أن هناك ثلاثة أقوال، نذكرها بشيء من الإيجاز:

أ- القول الأول: عدم الاعتداد بأي تغير يطرأ، قليلاً كان أو كثيراً، بمعنى أنه لا ينظر لأي تضخم أو كساد مهما كانت معدلاتهما، وعلى المدين أن يسدد مثل الذي سبق وتعاقد عليه وزنه أو عدده. هذا القول هو مشهور المذهب المالكي وكذلك المذهب الشافعي، وهو رأي المتقدمين في المذهب الحنبلي، وهو رأي غير راجح ولا معول عليه في المذهب الحنفي. وهذه بعض عباراتهم؛ يقول الدردير: (وإن بطلت معاملة من دنانير أو دراهم أو فلوس ترتبت لشخص على غيره من قرض أو بيع أو تغير التعامل بها بزيادة أو نقص عليه المثل حتى ولو كانت مئة بدرهم فصارت ألفاً بدرهم أو بالعكس) (١) يقول ابن قدامة: (وأما رخص السعر فلا يمنع ردها، سواء كان كثيراً مثل أن كانت عشرة بدانق، فصارت عشرين بدانق، أو قليلاً؛ لأنه لم يحدث فيها شيء، إنما تغير السعر فأشبه الحنطة إذا رخصت أو غلت) . (٢)


(١) أحمد الدردير: الشرح الصغير، القاهرة، دار المعارف: ٣/ ٦٩
(٢) ابن قدامة، المغني: مرجع سابق: ٤/٣٦٠

<<  <  ج: ص:  >  >>