للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ- القول الثالث: التمييز بين التغير السعري المعتدل والتغير المرتفع؛ في الحالة الأولى لا ينظر للتغير السعري ويعول على المثل، وفي الحالة الثانية لا ينظر إلى المثل ويعول على القيمة، هذا القول قال به بعض علماء المالكية وبعض علماء الشافعية. يقول الإمام الرهوني المالكي معلقاً على القول المشهور في المذهب والقاضي برد المثل مهما كان التغير السعري: (ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر جداً حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه، لوجود العلة التي علل بها المخالف، حيث إن الدائن قد دفع شيئاً منتفعاً به لأخذ منتفع به، فلا يظلم بإعطائه ما لا ينتفع به) (١) ، ويقول الإمام الرافعي الشافعي: (وهذا كله إذا لم يخرج المثل باختلاف المكان والزمان عن أن تكون له قيمة ومالية، وأما إذا خرج كما إذا أتلف عليه ماء في مفازة ثم اجتمعا على شط نهر أو بلد، أو أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء فليس للمتلف بذلك المثل، بل عليه قيمة المثل في تلك المفازة وفي الصيف) . (٢) ورغم ما في هذا القول من وجاهة حيث إنه يكاد يكون توفيقاً أو توسطاً بين القولين السابقين، وحيث إنه يراعي إلى حد كبير مقتضيات العدل وعدم الضرر مع تيسير المعاملات وعدم توقفها وعرقلتها عند أي تغير وإن كان عادياً، إلا أن مشكلته أنه لم يضع معياراً محدداً نميز به بين التغير المعتدل والتغير الكبير جداً، وإن كان يفهم منه أنه ما تجاوز النصف. على أية حال موضوع التمييز بين التغير السعري العادي والمرتفع سوف نفرد له فقرة قادمة.

٣- ٤- مناقشة هذه الأقوال:

قبل أن ندخل في مناقشة هذه الأقوال نحب أن نشير إلى أن الفقهاء حيال تلك المسألة فرقوا بين حالتين: حالة التراضي والاتفاق بين الطرفين وعند السداد على ما يدفع ويؤخذ، وحالة عدم وجود اتفاق. وما سبق من أقوال ينصرف إلى الحالة الثانية، أما الحالة الأولى فسنعرض لها بعد فراغنا من مناقشة هذه الأقوال. من المهم هنا التأكيد على النقاط التالية:

١- واضح تماماً أن المسألة خلافية؛ ومعنى ذلك يحق لنا الأخذ بأي منها طالما كان متوائماً بدرجة أكبر مع واقعنا.

٢- إنها مسألة ذات اعتبارات متقابلة قوية، مما يجعل الحسم فيها صعباً، وكان تعليق الإمام المالكي الصائب أنها مسألة اضطرب فيها المتقدمون والمتأخرون. (٣) وبعد أن أجرى مزيداً من البحث والدراسة قال فيها ابن عابدين: إنها مسألة ذات اشتباه، وهذا غاية ما ظهر لي فيها. (٤) كل هذا مع الأخذ في الحسبان أن قضية التضخم لم تكن على هذه الدرجة من التعقيد التي هي عليها اليوم.


(١) الرهوني، مرجع سابق: ٥/١٢١
(٢) الرافعي: فتح العزيز، مطبوع على هامش كتاب المجموع، المكتبة السلفية: ١١/٢٧٨
(٣) الرهوني، مرجع سابق: ٥/٢٠
(٤) حاشية ابن عابدين: ٤/٥٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>