للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط الثالث – قبض رأس مال السلم في مجلس العقد:

يشترط في السلم تسليم رأس ماله في مجلس العقد، فلو تفرق المتعاقدان قبل التسليم بطل العقد، وهذا رأي جمهور الفقهاء (١) .

وحجتهم في ذلك أن تأخير التسليم يصير العقد كبيع الكالئ بالكالئ، وذلك لأن المسلم فيه دين في الذمة، فلو أخر تسليم رأس المال عن المجلس لكان ذلك في معنى بيع الكالئ بالكالئ (٢) .

ويقول الغزالي: إن الغرض من هذا الشرط (جبر الغرر في الجانب الآخر) ويريد من ذلك كما يقول الرافعي: (أن الغرر في المسلم فيه احتمل للحاجة، فجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل ولئلا يعظم الغرر في الطرفين) (٣) .

وهذا متمش مع الرأي القائل: إن السلم عقد غرر جوز للحاجة، ويبدو لي أن هذا الشرط ليس الغرض منه تخفيف الغرر، لأنه غرر في مجرد التأجيل، وإنما هو شرط يتفق مع طبيعة عقد السلم، والحاجة التي شرع من أجلها، وهي احتياج المسلم إليه إلى المال قبل حصوله على المسلم فيه، ولهذا فإني لا أرى ما يمنع تأجيل رأس المال إلى أجل قريب بشرط أن يكون أقل من أجل المسلم فيه.

وهذا الرأي له سند من المذهب المالكي، فإن المالكية يرون أن التأخير إلى ثلاثة أيام لا يضر، ولو كان مشروطا في العقد، ما لم يكن السلم قريبا كيومين، أما إن كان التأخير أكثر من ثلاثة أيام، فإن كان مشروطا في العقد لا يصح، وإن كان غير مشروط، فلمالك قولان في المدونة: قول بفساد العقد، وقول بعدم الفساد، سواء كثر التأخير جدا، بأن حل أجل السلم، أو لم يكثر جدا، المعتمد القول بالفساد (٤) .


(١) ابن عابدين ٤/٢٨٨؛ والوجيز مع المجموع ٩/٢٠٨؛ والمغني ٤/٣٢٨؛ والمحلى ٩/١٠٩؛ والبحر الزخار ٣/٣٩٨؛ والمختصر النافع ١٥٨
(٢) فتح العزيز مع المجموع ٩/٢٠٨؛ والبحر الزخار ٢/٢٩٨؛ وبداية المجتهد ٢/٢٠٢
(٣) الوجيز وشرحه فتح العزيز مع المجموع ٩/٢٠٧ و٢٠٩
(٤) الدسوقي على الشرح الكبير ٣/١٩٥ – ١٩٦؛ وبداية المجتهد ٢/٢٠٢؛ ويصرح الحنفية بأن قبض رأس مال السلم في مجلس العقد ليس شرطا لانعقاد ولا لصحته إنما هو شرط لبقائه على الصحة، فينعقد السلم صحيحا، ثم يبطل بالافتراق بلا قبض- ابن عابدين ٤/٢٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>