للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتراط قبض بضاعة السلم قبل بيعها (١) :

قال الخرقي: (وبيع المسلم فيه من بائعه، أو من غيره قبل قبضه فاسد، وكذلك الشركة فيه، والتولية والحوالة به، طعاما كان أو غيره) .

وقال شارحه ابن قدامة: (أما بيع المسلم فيه قبل قبضه فلا نعلم في تحريمه خلافا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن ربح ما لم يضمن، ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه، كالطعام قبل قبضه) (٢) .

قلت: الخلاف في تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه موجود، فقد منع المالكية بيع المسلم فيه قبل قبضه، إذا كان طعاما، وجوزوا بيعه قبل قبضه، إذا لم يكن طعاما، سواء باعه المسلم من المسلم إليه، أو من غيره، إلا أنه إذا باعه من المسلم إليه قبل الأجل فلا يجوز أن يبيعه بأكثر من الثمن الذي اشتراه به، وإنما يبيعه بمثل الثمن، أو بأقل، ويقبض الثمن، وأما إذا باعه من غير المسلم إليه فيجوز بيعه بأكثر من الثمن، أو بأقل منه، أو بمثله لذا قبض الثمن.

جاء في المدونة:

(قلت) : أرأيت إن أسلمت في طعام معلوم إلى أجل معلوم، أيجوز لي أن أبيع ذلك الطعام من الذي اشتريته منه، أو من غيره قبل أن أقبضه في قول مالك؟ (قال) : لا يجوز ذلك في قول مالك، (قلت) : لم؟ (قال) : لأنك أسلمت في طعام بكيل، فلا يجوز لك أن تبيعه حتى تكتاله، إلا أن يوليه، أو يشرط فيهن أو يقيل منه، (قلت) : وكذلك كل ما يكال ويوزن من الأطعمة والأشربة إذا أسفلت فيها لم يصلح لي أن أبيعها حتى أكتالها، أو أزنها، وأقبضها في قول مالك؟ (قال) : نعم إلا الماء وحده (قلت) : وما سوى الطعام والشراب مما سلفت فيه كيلا، أو وزنا، فلا بأس أن أبيعه قبل أن أقبضه من الذي باعني، أو من غيره؟ (قال) قال مالك: لا بأس أن تبيع ما سلفت فيه، إذا كان من غير ما يؤكل ويشرب من غير الذي عليه ذلك السلف بأقل، أو بأكثر، أو بمثل ذلك، إذا انتقدت، وأما الذي عليه السلف فلا تبيعه منه قبل الأجل بأكثر، ولا تبيعه منه إلا بمثل الثمن، أو بأقل، ويقبض (٣) ذلك.

هذا هو مذهب الإمام مالك، وما ذكره ابن قدامة من تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه، هو رأي الجمهور (٤) ، وهو الراجح عندي الذي ينبغي العمل به، بالنسبة لبيع المسلم فيه من غير بائعه؛ لأنه هو الذي تدل عليه الأحاديث الواردة في بيع ما لم يقبض (٥) .


(١) هذا العنوان من مجمع الفقه الإسلامي
(٢) المغني ٤/٣٣٤؛ وانظر أيضا الشرح الكبير على المقنع ٤/٣٤١
(٣) المدونة الكبرى ٩/٨٧، وجاء في صفحة ٨٨: ولا يصلح أن تبيعه من الذي عليه السلف بأكثر مما أعطاه فيه حل في ذلك الأجل أو لم يحل، وانظر بداية المجتهد ٢/٢٠٥
(٤) تنوير الأبصار مع شرحه؛ وحاشية ابن عابدين ٤/٢٨٩ و٢٩٠؛ والمهذب ١/٢٦٣ و٣٠١
(٥) انظر كتاب الغرر وأثره في العقود ٣٢٢ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>