للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعلة في تحريم بيع السلع قبل قبضها هي:

١- الربا: وهذا ما يراه المالكية (١) ؛ وقد ذهب إليه من قبلهم ابن عباس حين قال في بيع الطعام قبل قبضه: ذلك دراهم بدراهم والطعام مرجأ (٢) كما ذهب إليه زيد بن ثابت وأبو هريرة حين قالا لمروان: أحللت بيع الربا عندما رأيا الناس يتبايعون صكوك الطعام قبل أن يستوفوها (٣) .

وهذا التعليل – كما يقول الشوكاني – أجود ما علل به النهي، لأن الصحابة أعرف بمقاصد رسول الله صلى الله عليه وسلم (٤) .

٢- الغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم، وهو رأي سائر الفقهاء، غير أن عدم القدرة على التسليم سببه احتمال هلاك المحل عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وضعف الملك عند الزيدية، واحتمال عدم تسليم البائع الأول عند ابن تيمية (٥) .

٣- المسلم فيه قبل قبضه من ضمان البائع، ولا يدخل في ضمان المشتري إلا بالقبض، فبيعه قبل قبضه يدخل في النهي عن ربح ما لم يضمن (٦) .

وأضيف إلى هذه العلل أن في النهي عن بيع السلع قبل قبضها إيجاد فرص للعمل، وذلك لأن في بيع السلع قبل قبضها حرمانا لعدد كبير من العمال الذين يقومون بالكيل والحمل، فإن التاجر يفضل أن يبيع السلعة وهي عند بائعها، ما دام يجد ربحا، ثم إنا لو أبحنا للتجار بيع السلع قبل قبضها، فإن أسعارها ترفع وهي في مكانها، فتعود الفائدة كلها إلى طبقة التجار، ولا ينال العامل والمستهلك فائدة من هذه العمليات، في حين أنه ينالهما ضرر ارتفاع السعر.

وقد نقل الدسوقي عن التوضيح تعليلا جيدا لمنع بيع الطعام قبل قبضه هو: أن الشارع له غرض في ظهور الطعام، فلو أجيز بيعه قبل قبضه لباع أهل الأموال بعضهم من بعض من غير ظهور، بخلاف ما إذا منع من ذلك، فإنه ينتفع به الكيال والحمال، ويظهر للفقراء فتقوى به قلوب الناس، لا سيما في زمن المسغبة والشدة (٧) .


(١) بداية المجتهد ٢/٤٤؛ المنتقى ٤/٢٨٠
(٢) صحيح البخاري ٣/٦٨
(٣) الموطأ مع المنتقى ٤/٢٨٥؛ وصحيح مسلم مع شرح النووي ١٠/١٧١
(٤) نيل الأوطار ٥/١٦٩
(٥) البدائع ٥/١٨٠؛ والمهذب ١/٢٦٢؛ والمغني ٤/١٢٨؛ والبحر الزخار ٢/٣١٢؛ والاختيارات العلمية مع الفتاوى ٧٥
(٦) المغني ٤/٣٢٧
(٧) الدسوقي على الشرح الكبير ٣/١٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>