للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا من وجه آخر:

إن ما يترتب عليه الحكم إن كان شيئًا لا يدرك العقل تأثيره، ولا يكون بصنع المكلف، كالوقت للصلاة، يخص باسم السبب.

وإن كان بصنعه، فإن كان الفرض من وضعه ذلك الحكم كالبيع للملك فهو علة ويطلق عليه اسم السبب مجازًا.

وأن لم يكن هو الفرض كالشراء لملك المتعة، فإن العقل لا يدرك تأثير (لفظ اشتريت) في هذا الحكم، وهو بصنع المكلف، وليس الغرض من الشراء ملك المتعة بل ملك الرقبة، فهو سبب.

وإن أدرك العقل تأثيره، يخص باسم العلة (١) .

وقال الإمام الشاطبي: الأفعال الواقعة في الوجود المقتضية لأمور تشرع لأجلها أو توضع فتقتضيها على الجملة ضربان:

١- خارج عن مقدور المكلف.

٢- ما يصح دخوله تحت مقدوره.

فما يكون خارجًا عن مقدور المكلف: قد يكون سببًا ويكون شرطًا ويكون مانعًا.

فالسبب: مثل كون الاضطرار سببًا في إباحة الميتة.

- وخوف العنت سببًا في إباحة نكاح الإماء.

- والسلس سببًا في إسقاط وجوب الوضوء لكل صلاة، مع وجود الخارج.

- وزوال الشمس أو غروبها أو طلوع الفجر سببًا في إيجاب تلك الصلوات وما أشبه ذلك (٢) .

سؤال: هل مشروعية الأسباب تستلزم مشروعية المسببات؟؟

- ويجيب الشاطبي قائلًا: مشروعية الأسباب لا تستلزم مشروعية المسببات، وإن صح التلازم بينهما عادة.

ومعنى ذلك أن الأسباب إذا تعلق بها حكم شرعي من إباحة أو ندب أو منع أو غيرها من أحكام التكليف، فلا يلزم أن تتعلق تلك الأحكام بمسبباتها.

فإذا أمر بالسبب لم يستلزم الأمر بالمسبب.

وإذا نهى عن السبب، لم يستلزم النهي عن المسبب.

وإذا خير فيه، لم يلزم أن يخير في مسببه.

والأمر بالنكاح لا يستلزم الأمر بحلية البضع.. والأمر بالقتل في القصاص لا يستلزم الأمر بإزهاق الروح ... والنهي عن القتل العدوان، لا يسلتزم النهي عن الإزهاق ...

إلى أن قال: فصارت الأسباب هي التي تعلقت بها مكاسب العباد دون المسببات.

فإذا لا يتعلق التكليف وخطابه إلا بمكتسب ... فخرجت المسببات عن خطاب التكليف، لأنها ليست بمقدورهم، ولو تعلق بها لكان تكليفًا بما لا يطاق وهو غير واقع كما تبين في الأصول (٣) .


(١) التهاني: الكشاف ج ٣ ص ٦٣٨
(٢) الشاطبي: الموافقات ج١ ص ١٨٧ ـ ١٨٩
(٣) الشاطبي: الموافقات ج١ ص ١٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>