للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرفة الإمام الغزالي في المستصفى بقوله: وحده ما يجعل الشيء عنده لا به ثم يقول فإن الوصول بالسير لا بالطريق ولكن لا بد من الطريق ونزح الماء بالاستقاء لا بالحبل ولكن لا بد من الحبل (١) .

أما القرافي فقد قرر عند التنبيه الرابع الذي عقده بعد الفرق الثامن والخمسين أن الأسباب من جملة الوسائل وعرفه الشوكاني في إرشاد الفحول بأنه وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه علامة لحكم شرعي.

وظاهر كلام ابن تيمية أنه إذا كان الإفضاء إلى المفسدة ليس فعلًا كإفضاء شرب الخمر إلى السكر، وإفضاء الزنا إلى اختلاط المياه، أو كان الشيء نفسه فساد كالقتل والظلم، فهذا يعتبر من باب السبب (٢) .

وأما إذا كان الفعل في ذاته غير مفسدة وإنما يفضي إلى المفسدة كبيع السلاح في الفتنة، فهذا من باب الذرائع.

ونبه الشاطبي إلى أن مشروعية الأسباب تستلزم مشروعية المسببات وإن صح التلازم بينهما عادة، ومعنى ذلك أن الأسباب إذا تعلق بها حكم شرعي من إباحة أو ندب أو منع أو غيرها من أحكام التكليف فلا يلزم أن تتعلق تلك الأحكام بمسبباتها فإذا أمر بالسبب لم يستلزم الأمر بالمسبب، وإذا نهي عنه لم يستلزم النهي عن المسبب، وإذا خير لم تستلزم أن يخير في مسببه.

مثل ذلك: الأمر بالبيع لا يستلزم الأمر بإباحة الانتفاع بالمبيع، والأمر بالقتل في القصاص لا يستلزم الأمر بإزهاق الروح؛ لأن المكلف يتعاطي الأسباب والمسببات من فعل الله تعالى وحكمه، لا كسب فيها للمكلف.

ثم جعل إليهم العمل ليجازوا عليه ثم الحكم فيه لله وحده فصارت الأسباب هي التي تعلقت بها مكاسب العباد دون المسببات (٣) .

وبهذا يظهر أن الذريعة إذا كانت للتوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة أو ما هو ممنوع فإن السبب لا يخالف المسبب ولا يتأثر بنية الفاعل ولا يتبدل والأسباب الممنوعة أسباب للمفسدة دائمًا. والأسباب المشروعة أسباب للمصالح دائمًا.


(١) المستصفى للغزالي ج١ ص ٩٤
(٢) الفتاوي الكبرى ج٣ ص ١٣٩
(٣) الشاطبي المسألة الثانية بتصرف ج١/ ١٨٩ ـ ١٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>