يبدوا أن هناك تشابها كبيرًا بين الذرائع والحيل، والكلام فيهما متداخل إذ يلتقيان أحيانًا ويفترقان أحيانًا أخرى، والذين تكلموا على هذا الموضوع وكتبوا فيه كثير، ولكن الفروق لم تكن واضحة إذ كثيرًا ما يستدل لأحداهما بأدلة الأخرى.
وضع الفوارق وحصرها ابن عاشور فجعل لها فوارق ثلاثة:
الفرق الأول: من جهتي العموم والخصوص وعلى هذا الاعتبار فالحيل والذرائع قد يلتقي كل منهما مع الآخر في صور ويفترق عنه في صور أخرى.
أ - فمثال ما كان ذريعة وليس حيلة سب الأوثان، فإنه ذريعة إلى سب الله تعالى.
ب - مثال ما كان حيلة وليس ذريعة: ما يحتال به من المباحات في الأصل كبيع نصاب الزكاة أثناء الحول، فرارًا من الزكاة.
ج- مثال ما كان ذريعة وحيلة: اشتراء البائع السلعة من مشتريها بأقل من الثمن.
الفرق الثاني: من جهة القصد وعدمه. لأن الحيل لا بد فيها من قصد والذريعة أعم من ذلك؛ لأن ما يفضي إلى فساد يسد ذريعة سواء قصد الناس به إفضاءه إلى فساد أم لم يقصدوا.
الفرق الثالث: الحيل المبحوث عنها لا تكون إلا مبطلة لمقصد شرعي، والذرائع قد تكون مبطلة لمقصد الشارع من الصلاح وقد لا تكون مبطلة إذا عارضها أمر آخر، كزراعة العنب فإنها تؤدي إلى مفسدة وهي توفير الخمر في السوق، وتستطيع الأمة أن تستغني عنه، فلو طبقت هذه الذريعة لحق الحرج جمهورا من الناس.
وذلك حرمان لا يتناسب مع سماحة الشريعة، فكانت زراعة العنب بهذا الاعتبار أرجح عند بعض العلماء عما تؤول إليه من اعتصار بعض نتائجها خمرًا فأبيحت زراعة العنب بهذا الاعتبار ورجحت على المفسدة المتوقعة من زراعة العنب، بينما عدد كثير من العلماء ومنهم ابن تيمية يرى أن الذرائع حرمها الشارع وإن لم يقصد بها المحرم بل خشية إفضائها إلى المحرم (١) .