للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا الاعتبار قسمت الذرائع إلى قسمين:

القسم الأول: كونه ذريعة إلى فساد تلازمه ولا تفارقه بحيث يكون مآله إلى فساد مطردًا بحيث يكون الفساد من خاصته. وهو محل اتفاق العلماء في حرمته وسده.

القسم الثاني: قد يختلف مآله إلى فساد تخالفا قليلًا أو كثيرًا فيكون محطًا لاجتهاد العلماء واختلافهم في إباحته أو حرمته بتغليب جانب الحرمة أو الإباحة لاعتبارات أخرى.

أما ابن القيم: فإنه لم يعتبر سد الذرائع من المسائل المستقلة بنفسها، بل اعتبره ضمن قاعدة عامة وهي: العبرة في الشريعة بالمقاصد والنيات، وجعل الحيل تابعة للذرائع، وأطال الحديث في هذه القاعدة وبعد أن قررها وبين بناء الأحكام عليها وشرح أقسامها استدل بأدلة كثيرة من القرآن والسنة على وجوب سد الذرائع أنهاها إلى تسعة وتسعين دليلًا، ولما وصل إلى الحيل اعتبر أن تجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، وقال: فإن الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلة (١) .

فأين من يمنع الجائز خشية الوقوع في المحرم ممن يعمل الحيلة في التوصل إليه؟ ثم بين أن الأدلة التي ذكرها من قبل في بيان وجوب سد الذرائع كلها تقوم حجة على تحريم الحيل وزاد أدلة أخرى فقال: ومن تأمل أحاديث اللعن وجد عامتها لمن استحل محارم الله، واسقط فرائضه بالحيل.

كقوله ((لعن الله المحلل والمحلل له)) و ((لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها)) و ((لعن الله الراشي والمرتشي)) و ((لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده)) (٢) واعتبر أن الحيل المحرمة مخادعة لله ومخادعة الله حرام.

وهو وإن اعتبر الحيل تأخذ حكم سد الذرائع لأنها تابعة لها إلا أنه مع ذلك اشترط القصد في التحيل وعبر عن ذلك في كلامه عن تحريم الحيل قائلا: ومدار الخداع على أصلين:

أحدهما إظهار فعل لغير مقصوده الذي جعل له.

والثاني: إظهار قول لغير مقصوده الذي وضع له. وهذا منطبق على الحيل المحرمة (٣) . وفي الأصلين ينص على أن القصد هو مدار الحرمة.


(١) إعلام الموقعين ج٣ ص ١٤٧
(٢) إعلام الموقعين ج٣ ص١٧٢
(٣) إعلام الموقعين ج٣ ص ١٧٤

<<  <  ج: ص:  >  >>