للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الإمام الشاطبي: فإنه لم يختلف كثيرًا عما قرره ابن تيمية وابن القيم في اعتبار الحيل تابعة للذرائع تأخذ حكها وقيدها كما قيدها من ذكرناه قبله من العلماء، وقال: ولكن هذا بشرط أن يظهر لذلك قصد إلى إبطال الأحكام الشرعية وهو وإن اعتبر أن مالكًا حكم قاعدة الذرائع في أكثر أبواب الفقه ولكنه قال: ومن أسقط حكم الذرائع كالشافعي فإنه اعتبر المآل أيضًا، ولأجل ذلك يتفق الفريقان على أنه لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان (١) .

ثم قال من أجاز الحيل كأبي حنيفة فإنه اعتبر المآل أيضًا لأن الواهب ماله عند رأس الحول فرارًا من الزكاة قد عاند الشارع لأن الهبة موجبة لإبطال الحكم فكان هذا القصد بخصوصه ممنوعًا لأنه عناد للشارع كما إذا امتنع عن أداء الزكاة فلا يخالف أبو حنيفة في أن قصد إبطال الأحكام صراحة ممنوع (٢) .

أقسام الحيل وأحكامها:

القسم الأول من الحيل: ما كان المقصود منها جائزا غير محظور من إثبات حق أو دفع باطل، وأنواعه باعتبار الطرق الموصلة إليه ثلاثة لأن الطريق إلى المقصود منها:

أ - إما أن تكون محرمة: كالوصول إلى الحق المجحود بشهادة الزور، فتحرم الحيلة لتحريم الوسائل.

ب - إما أن تكون جائزة موضوعة لذلك المقصود شرعًا، ومن أمثلة ذلك ما إذا خافت المرأة أن يغيرها زوجها بالزواج عليها فالحيلة في منع هذا الأذى عنها أن تشترط هي أو وليها في العقد أنه متى تزوج عليها فأمرها بيدها إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته.

ج- أن تكون جائزة ولكنها لم توضع بالقصد الأول لذلك المقصود شرعًا، ومن أمثلة هذا النوع أن ينكح المرأة ليعتز بأهلها وليستعين بمالها أو بجاهها فيما لا يغضب الله فإن المقصود جائز، لكن النكاح لم يوضع لذلك شرعًا على وجه القصد وإنما وضع بالقصد الأول لطلب الولد وعفة الزوجين عما حرم الله والمساكنة والأزدواج وقد يستتبع المعاونة والنصرة، فإذا نكح المرأة لمالها ينتفع به أو لأهلها ينصرونه مثلًا جاز ذلك النكاح لأن هذا المقصود لا يتنافى مع مقاصد النكاح الأصلية بل كان موثقًا لها.


(١) الموافقات للشاطبي ج٤ ص ١٩٨
(٢) الموافقات للشاطبي ج٤ ص ٢٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>