للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد هذه النظرة التي تتبعنا فيها بعض أقوال كتب المالكية وغيرهم في التعريف بالذرائع وأحكامها العامة نخلص إلى تحديد حكم الذرائع بالمعنى العام فنقسمه إلى أربعة أقسام حسب الغرض الذي استخدمناه إليه الوسيلة ومدى شرعية أو عدم شرعية هذه الوسيلة، ويمكن أن ننظر إلى ذلك من أوجه أربعة هي:

١- الوسيلة الجائزة المؤدية إلى الجائز وهذه حكمها الإباحة بإجماع كل المذاهب، ثم يرقى هذا المباح من درجة الاختيار إلى درجة الطلب مثل الحث على اتباع أسباب التكسب، والحفاظ على الصحة.

٢- أما الوسيلة المحرمة المؤدية إلى المحرم فهي ممنوعة بإجماع كل فقهاء الأمة، ولا تقبل النصوص الواردة مثلًا بتحريم الربا، أو الخمر أو الزنى، أو المس من جسم المسلم أو ماله بغير حق، لا تقبل هذه النصوص أي تأويل يغير فحواها أو يعطل تطبيقها، فإذا اتخذت وسائل غير مشروعة للتحايل على تلك النصوص بقى الحرام حرامًا والوسيلة التي استخدمت إليه حرام هي أيضًا.

ويلحق بالوسيلة المحرمة المؤدية إلى محرم الوسيلة المكروهة، التي ستؤدي إلى مفسدة.

٣- الوسيلة الممنوعة لتحقيق الجائز فهي ليست جائزة على العموم؛ لأن علماء الشريعة جلهم خالف مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وعلى هذا تقطع يد السارق إذا سرق من أجل أن يبني مسجدًا، أو من أجل أن ينفق على المساكين، ويحرم الكذب لترويج البضاعة التجارية، فترويج البضاعة في حد ذاته مباح، ولكن استخدام وسيلة الكذب إليه حرام إجماعًا، وقد تستعمل وسيلة غير جائزة كما أسلفنا لتحقيق غرض جائز، لكن بشرط وجود ضرورة ملحة إلى ذلك، وليس بيد المسلم وسيلة غيرها لتخليص نفسه أو ماله أو نفس أو مال أخيه المسلم، قد ضربت لذلك مثلًا بالمال الذي يدفع للكفار لتخليص أسارى المسلمين منهم.

أما الوسيلة الجائزة المؤدية إلى ممنوع فتختلف الأحكام المطبقة عليها بحسب درجة المخالفة التي ستجر إليها، فإذا أدت إلى حرام فهي حرام، وإذا أدت إلى مكروه انقلبت إلى مكروه، وإذا أدت إلى مباح لكن أوقع ذلك المباح في المخالفة كاللهو الذي يجر إلى تأخير الصلاة حتى يخرج الوقت، فإذا تعمد كان حرامًا، وإذا لم يتعمد وجب الاحتياط (١) يؤيد هذا أن التحريم يغلب على الحلال إذا اجتمعا للحديث الشريف "ما اجتمع الحرام، والحلال، إلا غلب الحرام الحلال" أسوق ملاحظة أخيرة على الأحكام التي تعرضنا لها في هذا التخليص لأحكام الذرائع وهي:

في حالة فتح الذرائع، فإذا كانت تؤدي إلى مباح غير مطلوب، فللمرء الخيار في استخدام الذريعة أو تركها على حدٍ سواء أما إذا كان التذرع واردًا لفعل المندوب المطلوب فإن تركه مكروه مثل ترك الوضوء للنوافل (٢) .

وإذا كان التذرع يرمي إلى تحقيق واجب كالسفر إلى الحج للمستطيع، فإن تركه من غير عذر مقبول فقهًا يكون حرامًا.

هذه نماذج من الأحكام العامة للذرائع أو جزتها في هذا المبحث لتسهل علينا مقارنة الذرائع مع الحيل ومدى التطابق الحاصل بينهما وهو ما سيكون موضوع المبحث القادم بحول الله.


(١) أُخِذ بالمعنى من كتاب الاعتصام للشاطبي ج ١ ص ٢٢٨ وعزا إليه أيضًا محمد هشام السيد برهاني في كتاب الذرائع ص ٢٠٦.
(٢) أُخِذ بالمعنى من كتاب الاعتصام للشاطبي ج ١ ص ٢٢٨ وعزا إليه أيضًا محمد هشام السيد برهاني في كتاب الذرائع ص ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>