وفي فتح الباري على صحيح البخاري أن الحيل ينظر إليها بحسب الحامل عليها، فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق، أو إثبات باطل فهي حرام، وإن دفعت إلى إثبات حق، أو دفع باطل فهي واجبة، أو مستحبة، أو مباحة حسب درجة الغرض الذي ستحققه والأمر الوارد فيه، وإن أوصلت إلى ترك مندوب فهي مكروهة.
ووقع خلاف في القسم الأول، هل يصح مطلقا وينفذ ظاهرا، وباطنا؟ أو يبطل مطلقا؟ وقال بأن لكل من الفريقين أدلته واستنتاجاته فللمجوزين الأدلة التالية.
فقصة أيوب دليل على استعمال الحيلة ليتجنب وطأة تنفيذ حكم لا يتحمله جسمه، واستدلوا لذلك بحديث أماضة بن سهل الضعيف الذي زنى، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢ـ ٣]
ثم قال ابن حجر: وفي الحيل مخارج من المضايق ومنه مشروعية الاستثناء فإن فيه مندوحة من الحنث.
ثم أورد بعض الأدلة للمانعين منها قصة أصحاب السبت، وحديث حرمت عليها الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها، وحديث لعن الله المحلل والمحلل له.
وأحسن كلمة قيلت في موضوع الحيل المحرمة كلمة رواها النسفي عن محمد بن الحسن، إذ نسب إليه قوله:" ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله بالحيل الموصلة إلى إبطال الحق ".
ومن الحيل المشابهة لتفح الذرائع بأتفه الأسباب ما نسبه ابن حجر في فتح الباري إلى أبي حنيفة إذ زعم أن رجلا أراد أن يبيع داره لرجل آخر فخشيا من أن يشفع الجار فيها، فافتاه أبو حنيفة حسب ذكر الفتح بأن يبيعه منها قسطا ضئيلا مثلا ١٠٠/ ١ فهو شقص لا يثير انتباه الجار ولا الشريم حتى تملكه لذلك الشقص وإذا أصبح شريكا لم تعد الشفعة في حقه جائزة فقلة عدد الأسهم لا تخرج مالكها من جملة الشركاء وأولئك لا يمكن لبعضهم أن يشفع فيما اشتراه البعض (١) . ونحن هنا لا يهمنا من سرد أنواع الحيل إلا القدر الذي يمكننا من مقارنتها مع الذرائع، وفي كلاهما يجب أن تبعد الخديعة وإلا تعرض فاعلها لفعل الحرام فالحديث الشريف قال:" لا تحل الخديعة لمسلم ".