للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الحيل المشابهة للذريعة احتيال العامل ليهدي له، فهي حيلة لأنه يحتال بالهدية على الرشوة، فيقضي لأصحابها أغراضهم بطرق غير مشروعة لكنها تتم بطرق لا يمكن أن يسائل أمام القانون عليها، وهي تشابه الذريعة لأن الهدية اتخذت ذريعة للتكسب غير الحلال، وأصل تحريم هذه المسألة حديث ابن اللتبية الذي اتفق عليه الشيخان ونصه كما جاء في البخاري قال: عن أبي حميد عبد الرحمن بن المنذر الساعدي الأنصاري رضي الله عنه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بني سليم قال صاحب الإرشاد يدعى الرجل " ابن اللتبية " فلما جاء حاسبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا ما لكم وهذه هدية أهديت لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك، إن كنت صادقاً" ثم خطبنا صلى الله عليه وسلم فحمد الله عز وجل، واثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " أما بعد، فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا ما لكم، وهذه هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حق إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه يقول: " اللهم بلغت ".

نستطيع أن نقول من خلال هذه النماذج أن الذريعة والحيلة بينهما تشابه في كثير من الحالات، وأنها تتطابقان في بعض الأهداف وتتفرقان في كثير منها فتتفقان لأن كل واحدة منهما تستعمل لإدراك غاية تلك التي تبينت من النص الظاهر، فالذرائع المحرمة، والتي أورد ابن قيم منها تسعة وتسعين رأينا نماذج منها في أولى هذا العرض، ما هي إلا صورة من الحيل، فبيوع الآجال، والعينة إذا فتحت فيها الذريعة، ومن هنا تبدو الذريعة مناقضة للحيلة، فإذا ما تمنع الحيلة لحرمتها تدخل الذريعة كسد للطريق أمام ما كانت الحيلة ستجر إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>