للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلقد أفسد العلماء بيوعا لمظنة ما يمكن أن ينجم عنها من الوقوع في معاملات ربوية فمنعوها سدا لذريعة الوقوع في تلك النتيجة، ففي تنقيح الفصول: " أما ما يكون أداؤها إلى الفساد ولكن كثرته لم تبلغ مبلغ الظن الغالب للمفسدة، ولا العلم القطعي، وذلك كالبيوع التي تتخذ ذريعة للربا، كعقد سلم يقصد به عاقده ربا قد استتر في بيع كأنه يدفع ثمنا قليلا لا يتناسب مع ثمن البيع وقت الأداء، قاصدا بذلك الربا فهو حرام".

هذا نموذج من المسائل التي وقع فيها الخلاف، فمالك حرمها ذريعة للربا، والشافعي رجح أصل الإذن وعدم نص يعضد الشك بمظنة الفساد، وهي من بين الصور التي توضح أن سد الذريعة يأتي في مواجهة بعض الحيل المباحة، والتي لا تستند على أصل، ويصاحبها شك ظني ـ لا قطعي ـ يبعث على إمكانية الوقوع في الحرام من خلال تطبيقها، إذن فالحيلة طريقة إلى إمكانية فعل الشيء وسد الذريعة وسيلة للحيلولة مع تطبيق ذلك الشيء أما فتحها فقد تطابق في كثير من حالاته مع الحيل على مختلف أحكامها الجائزة وغيرها، وهكذا نستطيع القول بأن الحيل والذرائع تتطابقان، عندما تفتح الذريعة لتكون كل واحدة منهما وسيلة للحصول على غرض معين يحترم ظاهر النص ويتوصل إلى الغرض على شكل يؤدي إلى جوهر يهدمه، أما إذا سدت الذريعة فتكون حينئذ حاجزا يجعل حد لما تسوق إليه الحيلة من مخالفات، فالذرائع متعارضة تماما مع الحيل المحرمة، أو المشتبه فيها، فبينما المتحيل يحاول أن يوجد وسيلة تمكنه من الاستفادة من المنهي عنه بإجراء يجنبه المخالفة ظاهرًا، نجد الفقيه عندما يقول بسد الذريعة يقوم بذلك خشية أن تجر المعاملة إلى شبهة، أما الحيل المشروعة فهي في الواقع تطبيق لوجه من أوجه سد الذرائع، فمن خاف على نفسه أو ماله له الحق شرعا أن يدفع عنه الضرر بأية ذريعة تمكنه من ذلك، وسبق أن أشرنا إلى جواز إعطاء مال لغير مسلم لفك أسرى المسلمين، فكل من تعرض لخطر لم يستطع دفعه بوسيلة مشروعة أباحت له الشريعة أن يوازن بين المفسدة التي يمكن أن تنجم عن استخدام وسيلة غير مشروعة للتخلص من ذلك الضرر، وبين ما ستحققه من مصلحة، وإذا غلب ضرر الهدف وجب التخلي عنه وعن الوسيلة المؤدية إليه ولو كانت مشروعة، في حين إذا كانت مصلحة الهدف نفعها أكثر من ضررها جاز تحقيقه ولو بسلوك ذريعة غير جائزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>