للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- محل التحكيم

بعد استقراء الآراء المتنوعة في الفقه الإسلامية، يمكن القول بأن (ما يجري فيه التحكيم) يخضع لاتجاهين مختلفين:

١- الاتجاه الأول: يغلب في التحكيم جانبه الرضائي المستند على إرادة أطرافه، فلا يجيز التحكيم فيما لا تملكه هذه الإرادة (١) ؛ لأن التحكيم بمنزلة الصلح (٢) ويمثل هذا الاتجاه: الحنفية (٣) ، وظاهر الروايات في مذهب مالك (٤) ، وهو وجه من طريق في مذهب الشافعي (٥) ، وبه أخذ القاضي من الحنابلة (٦) .

وبناء على ذلك: لا يصح التحكيم، عن الحنفية، في الحدود أو القصاص أو فيما يجب من الدية على العاقلة، وكذلك لا يصح التحكيم في اللعان؛ لأنه يقوم مقام الحد (٧) .

وعند المالكية: يجوز التحكيم في الأموال والجراحات، ويمتنع في الحدود والقصاص والولاء والنسب والرشد والسفه وأمر الغائب والحبس والطلاق واللعان والعتق والفسخ لنكاح ونحوه وما يتعلق بصحة العقد وفساده، (فلا يجوز التحكيم فيها لتعلق الحق فيها بغير الخصمين) (٨) .

ولا يأتي التحكيم، عند الشافعية في حدود الله تعالى: إذ ليس لها طالب معين، (وفي وجه من طريق: يختص جواز التحكيم بمال؛ لأنه أخف دون قصاص ونكاح ونحوهما كلعان وحد قذف، لخطر أمرها، فتناط بنظر القاضي ومنصبه) (٩) .


(١) علاء الدين الطرابلسي، معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، بولاق مصر: ١٣٠٠ هـ، ص ٢٧: (يصح التحكيم فيما يملكان فعل ذلك بأنفسهما
(٢) نفس المرجع السابق، ص ٢٨ نقلًا عن الخصاف: (... لأن حكم المحكم بمنزلة الصلح، فكل ما يجوز استحقاقه بالصلح يجوز التحكيم فيه، وما لا فلا)
(٣) ابن نجيم، البحر الرائق: ٧ / ٢٦؛ الكاساني، بدائع الصنائع: ٧ / ٣
(٤) ابن فرحون، تبصرة الحكام: ١ / ٢ – ٤٤؛ الدردير: الشرح الصغير: ٤ / ١٩٨ – ١٩٩. قال ابن عرفة: ظاهر الروايات أنه يجوز التحكيم فيما يصح لأحدهما ترك حقه فيه.
(٥) الشربيني الطيب، مغني المحتاج: ٤ / ٣٧٩
(٦) ابن مفلح، كتاب الفروع: ٦ / ٤٤٠؛ ابن قدامة، المغني: ١١ /٤٨٤
(٧) ابن نجيم، البحر الرائق: ٧ / ٢٦؛ الكاساني، بدائع الصنائع: ٧ / ٣
(٨) الدردير، الشرح الصغير: ٤ / ١٩٨ – ١٩٩. وقارن: تبصرة الحكام: ١ / ٤٣ – ٤٤
(٩) الشربيني الخطيب، مغني المحتاج، ٤ /٣٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>