للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث

طبيعة اتفاق التحكيم

مدى لزوم التحكيم – إلزامية الحكم – تنفيذ الحكم

١- مدى لزوم التحكيم

المراد بمدى لزوم عقد التحكيم: مدى حرية أحد أطرافه في نقضه، وبعبارة أخرى: يجب أن يستمر الاتفاق على التحكيم بين الخصمين، وأن يستمر اتفاقهما مع المحتكم إلى حين انتهائه من المهمة التي أسندت إليه بإصداره الحكم؟

يبدو أن الفقهاء قاسوا عقد التحكيم على عقد الوكالة، وهو عقد غير لازم، فذهبوا إلى أن الأصل في التحكيم عدم اللزوم، بمعنى: أن كل واحد من المتنازعين يجوز له نقض التحكيم، وأن المتنازعين يمكنهما عزل المحتكم إليه وأن المحتكم إليه يستطيع عزل نفسه، وفي كل حالة من هذه الحالات ينتقض العقد ولا يكون للتحكيم أثر.

غير أن هؤلاء الفقهاء قد وضعوا لذلك ضوابط تضمن استقرار التعامل وتؤدي إلى احترام العقود.

فعند الحنفية: يجوز لكل واحد من الخصمين الرجوع عن التحكيم، كما يجوز لهما ذلك مجتمعين، وفي هذا عزل للمحتكم إليه، بشرط أن يكون الرجوع قبل صدور الحكم، وبعد صدور الحكم لا يكون لهذا الرجوع أثر، ويظل الحكم قائمًا؛ لأنه صدر عن ولاية شرعية للمحكم، كالقاضي الذي يصدر حكمه، ثم يعزله من ولاه (١) .

وتشعبت الآراء في مذهب مالك، فبينما يرى سحنون ضرورة دوام الرضاء بالتحكيم إلى حين صدور الحكم، يرى ابن القاسم ومطرف وأصبغ أن جواز الرجوع مشروط بعدم البدء في الخصومة وإقامة البينة أمام محتكم إليه، وقال ابن الماجشون: ليس لأحدهما أن يرجع مطلقًا في اتفاق التحكيم (٢) .

والمذهب عند الشافعية – أن رضا الخصمين هو المثبت للولاية، (واشترط استدامة الرضا إلى تمام الحكم، وحينئذ، إن رجع أحدهما قبل تمام الحكم، ولو بعد إقامة البينة والشروع فيه، امتنع الحكم، لعدم استمرار الرضا) (٣) .


(١) ابن نجيم، البحر الرائق: ٧ / ٢٦؛ ابن الهمام، فتح القدير: ٥ / ٥٠٠
(٢) ابن فرحون، تبصرة الحكام: ١ /٤٣؛ الحطاب، مواهب الجليل: ٦ / ١١٢.
(٣) الشريبني الخطيب، مغني المحتاج: ٤ /٣٧٩؛ ابن أبي الدم، كتاب أدب القضاء: ١ /٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>