للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وفيه وجه بعيد: أنهما إذا رضيا أولًا، فلما خاض رجع أحدهما، لم يؤثر رجوعه ونفذ الحكم، وهذا الوجه حكاه الإمام واستبعد، وحكاه الماوردي عن أبي سعيد الإصطخري ولم يستبعده) (١) .

وعند الحنابلة: (لكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم؛ لأنه لا يثبت إلا برضاه، فأشبه ما لو رجع عن التوكيل قبل التصرف، وإن رجع بعد شروعه ففيه وجهان: أحدهما: له ذلك؛ لأن الحكم لم يتم، أشبه قبل الشروع. والثاني: ليس له ذلك؛ لأنه يؤدي إلى أن كل واحد منهما إذا رأى من الحكم ما لا يوافقه رجع، فبطل المقصود به) (٢) .

إلزامية الحكم

يكاد يتفق الفقهاء على أن حكم المحتكم إليه يلزم الخصمين بدون حاجة إلى رضاء جديد، مثله في ذلك مثل حكم القاضي (٣) . (واختيار المزني: أنه لا يلزم حكمه ما لم يتراضيا بعد الحكم، لضعفه) (٤) .

وإلزامية الحكم تقتصر على الخصمين فلا تتعداهما إلى غيرهما؛ لأن مصدر الحكم اتفاقهما على التحكيم، وهو اتفاق لا يمتد أثره إلى الغير (٥) .

٣- تنفيذ الحكم

أثر التحكيم يظهر في لزوم الحكم ونفاذه، نتيجة للولاية التي نشأت من اتفاق التحكيم، فإذا رضي الخصمان بالحكم فإنهما يقومان بتنفيذه، وإذا سخطه أحدهما أو كلاهما فيكون مرد الأمر إلى القضاء، الذي يختص – بما له من الولاية العامة – بتنفيذ الأحكام.

وقد اختلف الفقهاء في مدى سلطة القضاء إذا رفع إليه حكم المحتكم إليه:

فعند الحنفية: لا يجيز القاضي على أن يأمر بتنفيذ هذا الحكم، بل ينظر فيه، فإن وجده يوافق مذهبه أخذ به وأمضاه، ويكون إمضاؤه بمنزلة الحكم – ابتداء – في هذا النزاع، وإن وجده يخالف مذهبه، كان له الخيار: إن شاء أمضاه وأمر بتنفيذه، وإن شاء أبطله (٦) .


(١) ابن أبي الدم، كتاب أدب القضاء: ١ / ٤٣٠.
(٢) ابن قدامة، المغني: ١١ / ٨٤، وفي نفس المعنى: مطالب أولي النهى: ٦ / ٤٧٢
(٣) ابن نجيم البحر الرائق: ٧ / ٢٦ – ٢٧؛ ابن فرحون، تبصرة الحكام: ١ /٣؛ الشربيني الخطيب، مغني المحتاج: ٤ / ٣٧٩؛ ابن قدامة، المغني: ١١ /٤٨٤
(٤) ابن أبي الدم، كتاب أدب القضاء: ١ / ٣٢٩
(٥) ابن نجيم، البحر الرائق: ٧ / ٢٦؛ الشربيني الخطيب، مغني المحتاج: ٤ /٣٧٩؛ البهوتي، كشاف القناع: ٦ /٣٠٣.
(٦) ابن عابدين، حاشية: ٥ /٤٣١؛ ابن نجيم، البحر الرائق: ٧ / ٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>