للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع

أنواع خاصة من التحكيم

احتكام غير المسلم إلى محاكم إسلامية – احتكام المسلم إلى محاكم غير إسلامية – التحكيم في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين في غير البلاد الإسلامية.

١- احتكام غير المسلم إلى محاكم إسلامية

يقتضي بحث هذا الموضوع التطرق إلى أمرين، الأول: هل تمتد ولاية القاضي المسلم لتشمل قضايا غير المسلمين؟ والآخر: إذا امتدت ولاية القاضي المسلم لهذه القضايا، فبأي شرع يحكم؟

أولًا: ولاية القاضي المسلم على غير المسلمين:

تحكم ولاية القاضي المسلم على غير المسلمين قاعدتان جوهريتان: إحداهما عامة، تتمثل في قول الفقهاء: (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ، والأخرى خاصة، تتمثل في قولهم: (أمرنا بتركهم وما يدينون) .

ومقتضى القاعدة الأولى: أن يلتزم غير المسلم بأحكام وقوانين وتقاليد البلد الذي يوجد فيه، وبالتالي يخضع لقضاء هذا البلد: جنائيًّا كان أم مدنيًّا، مثله في ذلك مثل المسلم سواء بسواء (١) . وعلى هذا جرى العمل في صدر الإسلام، ففي كتاب عمرو بن العاص إلى الخليفة عمر: (وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه، إني لأقيم الحدود في صحن داري، على المسلم والذمي) (٢) . وجاء في كتب التاريخ: (وفي عام ١٢٠هـ، ولي قضاء مصر: خير بن نعيم، فكان يقضي في المسجد بين المسلمين، ثم يجلس علي باب المسجد بعد العصر، فيقضي بين النصارى، ثم خصص القضاة للنصارى يومًا يحضرون فيه إلى منازل القضاة ليحكموا بينهم حتى جاء القاضي محمد بن مسروق الذي ولي قضاء مصر عام ١٧٧ هـ فكان أول من أدخل النصارى في المسجد ليحكم بينهم) (٣) .


(١) الكاساني، بدائع الصنائع: ٧ / ١٣٤؛ الحطاب، مواهب الجليل: ٣ / ٣٥٥؛ الشيرازي، المهذب: ٢ / ٣٥٨؛ ابن قدامة، المغني: ١٠ / ٤٣٩٠
(٢) محمد عطية خميس، الشريعة الإسلامية والأجانب في دار الإسلام، القاهرة: ١٩٧٨، ص ١٤ نقلًا عن: الرياض النضرة في مناقب العشرة، للإمام الطبري.
(٣) الكندي، كتاب الولاة والقضاء، ص ٣٥١، ٣٩٠؛ ابن حجر، رفع الإصر عن تاريخ قضاة مصر: ١ /١٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>