للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففيما يتعلق بالمعاهدين: يكاد يتفق الفقهاء على ضرورة اتفاق المتنازعين ورضاهما بحكم القاضي المسلم، وفي هذه الحالة يكون للقاضي الخيار بين قبول الدعوى والحكم بيها، وبين رفض الدعوى فيرجعون إلى قضاء بلدهم، وحجتهم في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] . حيث نزلت هذه الآية لبيان حكم المعاهدين (١) . ولا يشترط أبو يوسف ومحمد وزفر رضا الخصمين، فإذا رفع أحدهما الدعوى أمام القاضي المسلم وجب عليه أن يفصل فيها (٢) .

وفيما يتعلق بالذميين: يشترط أبو حنيفة رضاء الخصمين برفع الدعوى أمام القاضي المسلم، أما أصحابه: أبو يوسف ومحمد وزفر فلا يشترطون هذا التراضي، كما هو الأمر بالنسبة للمعاهدين (٣) . عند المالكية: لا بد من رضاء الخصمين باللجوء إلى القاضي المسلم، وحينئذ يكون له الخيار أن يحكم بينهما أو أن يعرض عنهما (٤) . عند الشافعية: يرى البعض اعتبار رضاء الخصمين، (ولكن عامة كلام الأصحاب على اعتبار رضا واحد إذا استعدى على خصمه) . فإن كان الذميان متفقين في الملة – كنصرانيين – وجب علينا الحكم بينهما – في الأظهر – لأنه يجب على الإمام منع الظلم عن أهل الذمة، ومقابل الأظهر: لا يجب، بل يتخير.

أما إذا اختلفت ملتهما – كيهودي ونصراني – فإن الحكم يجب بينهما جزمًا (٥) .

وفي الفقه الحنبلي: (إن تحاكم بعضهم مع بعض، أو استعدى بعض على بعض: خير الحاكم بين الحكم بينهم والإعراض عنهم) (٦) . وفي الفروع: (وإن تحاكم إلينا ذميان، فعنه: يلزم الحكم ... وعنه: إن اختلفت الملة. وعنه: يخير إلا في حق آدمي. والأشهر وفيه كمستأمنين، فيحكم ويعدي بطلب أحدهما. وعنه: باتفاقهما كمستأمنين. وفي الروضة – في إرث المجوس – يخير إذا تحاكموا إلينا، واحتج بآية التخيير (٧) . وظاهر ما تقدم: أنهم على الخلاف؛ لأنهم ذمة) (٨) . فنخلص من ذلك إلى أن الصحيح عند الحنابلة: أن الحاكم مخير سواء رضي الخصمان به أو استعدى أحدهما على خصمه، وسواء اتفقت ملتهما أو اختلفت (٩) .


(١) ابن العربي، أحكام القرآن: ٢ / ٦١٩؛ البيهقي، أحكام القرآن للإمام الشافعي: ٢ / ٧٣؛ الفخر الرازي، التفسير الكبير: ١١ / ٢٣٥؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ٦ / ١٨٤؛ محمد عبده، تفسير المنار: ٣ / ٣٢٥؛ وانظر: مالك، المدونة الكبرى: ٤ / ١٦١؛ الشربيني الخطيب، مغني المحتاج: ٣ / ١٩٥؛ منصور بن إدريس، كشاف القناع: ١ / ٧٣١
(٢) ابن الهمام، فتح القدير: ٢/ ٥٠٤؛ الكاساني، بدائع الصنائع: ٢ / ٣١٢
(٣) الرازي الجصاص، أحكام القرآن: ٢ / ٤٣٥ – ٤٣٦؛ ابن الهمام، فتح القدير: ٢ / ٥٠٤ – ٥٠٥
(٤) القرطبي، الجامع القرآن: ٦ / ١٨٤ – ١٨٥؛ مالك، المدونة الكبرى: ٤: ١٦١
(٥) الشربيني الخطيب، مغني المحتاج: ٣ / ١٩٥
(٦) ابن قدامة، المغني: ١٠ / ٦٢٣ – ٦٢٤؛ والشرح الكبير: ١٠ / ٦٣١
(٧) المائدة:٤٢
(٨) ابن مفلح، كتاب الفروع، القاهرة: ١٣٨٨ هـ ١٩٦٧ م، ج ٦، ص ٢٨١
(٩) المرداوي، تصحيح الفروع، أسفل كتاب الفروع السابق: ٦ / ٢٨٢ (الرواية الرابعة: يخير في حق آدمي وغيره، قال المصنف: وهو الأشهر، وكذا قال في المحرر. قال الزركشي: هو المشهور: وجزم به في المذهب والخلاصة والمقنع والوجيز وغيرهم. وقدمه في المغني والشرح والرعايتين والحاويين وغيرهم. قلت: وهذا هو الصحيح من المذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>