للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقريب الدلالة: لولا أن حكمه بينهما لازم لما تواعده باللعن (١) .

أقول: لا دلالة فيه على لزوم الحكم من دون رضا الخصمين، إذ يمكن أن يكون اللعن لأجل الحكم بغير العدل ولو لم يكن حكمه نافذًا بدون رضاهما، فالموجب للعن هو الحكم بغير العدل سواء كان لازمًا أو غير لازم.

لو كان الحكم لا يلزم بنفس الإلزام لما كان للترافع إليه معنى (٢) .

قد يقال: تقييد لزوم الحكم برضا الخصمين به لا يوجب اللغوية، إذ يكفي فيه لزومه بعد رضاهما به إلا أنه جواب غير تام.

علي بن الحسين بإسناده عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) : انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئًا من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيًا، فتحاكموا إليه (٣) ..

تقريب الدلالة: أن الرواية ناظرة إلى قاضي التحكيم؛ لأن قوله: (فإني قد جعلته قاضيًا) متفرع على قوله: (فاجعلوه بينكم) وهو القاضي المجعول من قبل المتخاصمين، فإذا تحاكما إليه فهو قاض، لقوله (ع) : (قد جعلته قاضيًا) وحكم القاضي لازم ونافذ، فلا يشترط فيه رضا الخصمين.

والرواية معتبرة من حيث السند، فهذه المعتبرة تدل على عدم اشتراط تراضي الخصمين بالحكم في لزوم حكم قاضي التحكيم بعد حكمه.

ويدل على عدم اعتبار رضا الخصمين في لزوم الحكم مقبولة عمر بن حنظلة الآتية في أدلة مشروعية التحكيم، فإن قوله (ع) : (فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله) ظاهر في لزوم الحكم من دون رضا الخصمين، بل ولا يجوز للخصمين رده فإنه استخفاف بحكم الله.

دليل القول الثاني: لا يلزم الخصمين حكم قاضي التحكيم إلا بتراضيهما؛ لأن حكمه إنما يلزم بالرضا به، ولا يكون الرضا إلا بعد المعرفة بالحكم (٤) .

ويرده أنه مصادرة على المطلوب؛ إذ قوله: (لأن حكمه إنما يلزم بالرضا به) عين المدعى، وهو أول الكلام، وما الدليل على ذلك؟ فالدليل عين المدعى، ولا يثبت المطلوب.


(١) الخلاف، ج ٢، كتاب آداب القضاء ٧، المسألة ٤٠، ص ٦٠٢؛ المغني، ج ١٠، ص ١٣٧.
(٢) الخلاف، ج ٢، كتاب آداب القضاء، المسألة ٤٠، ص ٦٠٢
(٣) الوسائل، ج ١٨، الباب ١ من أبواب صفات القاضي، ج ٥، ص ٤
(٤) المغني، ج ١٠، ص ١٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>