الصوم شرعًا أو الامتناع الفعلي عن شهوتي البطن والفرج وحرمان النفس من شهواتها والامتناع عن النساء في النهار من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس. قال تعالى:{فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[البقرة: ١٨٧] وفي الحديث القدسي: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلى، ويدع الشراب من أجلي، ويدع زوجته من أجلي)) . ولم يرد في موضوع الصيام أي ذكر للجوف في القرآن الكريم أو السنة المطهرة
, وقد ناقشنا بتفصيل واف في الفصل الأول تعريفات الجوف في اللغة وعند الفقهاء وعند الأطباء القدماء وعند الأطباء المحدثين.
وبما أن الصيام إنما هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع، فإنه يتبين ذلك أن المقصود هو الامتناع عن شهوتي البطن والفرج، وعليه فإن الجوف لا يعدو الجهاز الهضمي متى تجاوز الفم ووصل إلى البلعوم (يسميه الفقهاء الحلق) ، وبالتالي فإن وصول الطعام أو الشراب عمدًا إلى البلعوم ومنه إلى المريء فالمعدة سبب مجمع عليه في إفساد الصيام وتسبب الفطر إذا كان ذلك في النهار من الفجر إلى غروب الشمس, ويتفق جمهور الفقهاء على أن تعاطي الدواء أو أي شيء آخر عن طريق الفم متى وصل إلى البلعوم ومن ثم إلى المريء والمعدة عمدًا في النهار يؤدي إلى إفطار الصائم وإفساد صومه.
يقول فضيلة الشيخ القرضاوي (١) : " وحقيقة الصيام المتفق عليها هي حرمان النفس من شهواتها، ومعاناة الجوع والعطش، والامتناع عن النساء تقربًا إلى الله تعالى, وهذا ما بينه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ".
فلم يجئ فيهما منع الصائم من شيء إلا من الأكل والشرب والمباشرة, وكذلك الرفث والصخب والجهل والسب والكذب والزور وسائر المعاصي.
" أي أن الصائم يمنع مما يتنافى مع المعنى المادي للصيام، وهو الأكل والشرب والجماع، وهو الذي نتحدث عنه الآن، ومما يتنافى مع المعنى الأدبي له، وهو الجهل والزور وسائر المعاصي والآثام ". ثم استدل على ذلك بالآية الشريفة والحديث النبوي الكريم المذكورين آنفًا.
(١) القرضاوي: فقه الصيام، دار الصحوة ودار الوفاء، القا هرة ١٤١١ هـ/ ١٩٩١ م، ص ٧٣