إن جميع الكائنات الموجودة في الكون - غير الإنسان - والتي تقع تحت نظرنا، أو أذن الله بأن يحيط بها علمنا، ما ظهر منها وما بطن، كلها: من سماء بما تحويه من نجوم وكواكب ومن شمس وقمر فأرض، وما نتج عن حركتها من ليل ونهار وفصول، وما تحمله من جبال وسهول ووديان , وحيوان بأنواعه، ونبات بأشكاله وألوانه، ومن زرع وثمر، وبحار وأنهار بما تحويه، وأمطار وما تحمله وتحدثه، كل تلك الكائنات خلقها الله تعالى وسخرها لخليفته في الأرض وهو الإنسان. (١) قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} . [البقرة: ٣٠]
فقد عني القرآن الكريم بإبراز هذا التسخير في ثماني عشرة آية، كلها تدل على أن الله سبحانه وتعالى قد خص الإنسان بالتمتع بكل هذه الكائنات رقبة ومنفعة، أو منفعة فقط، أو انتفاعًا فقط، كل ذلك في إطار شرع الله تعالى، وكل ذلك منحة من عند الله لعبده دون مقابل، إلا الحمد والشكر لخالقه، ونعمة ومنة منه جل شأنه {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} موردًا جل شأنه في نهاية كل آية من الآيات الدالة على التسخير ما يدفع العلماء إلى البحث والتفكر في خلق الله تعالى: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ، {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} ، ثم يقول:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} .