للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الاحتمال الرابع: وهو رد المعيب بالعيب، فإن المبيع إذا أطلع المشتري على عيب فيه فقد فصل فيه الفقهاء من أن يكون البائع عالما العيب أو جاهلا به، وبين كونه قديما أو حادثًا، وبين كونه في الأصول أو في غيرها وتتبع أحكام الرد بالعيب مفصلة في كتب الفقه. ولكن الذي يهمنا من ذلك هو العيب الذي تكشف عنه التجربة العلمية للمبيع، ويستوي الطرفان في الجهل بوجوده.

والمشهور في مذهب مالك أنه لا حق للمشتري في القيام بهذا العيب، وذلك كالقثاء يوجد مرا والخشبة يوجد داخلها عفنا أو مسوسا، قال في المدونة: لأنه أمر ثابت عليه يدخل البائع والمشتري، والتبايع عليه وقع، وروي أنه يرد به كسائر العيوب، وفرق ابن حبيب بين ما كان من أصل الخلقة فلا رد به وما طرأ لسبب ففيه القيام بالعيب (١) وأشار إلى هذا ابن عاصم بقوله:

وكامن يبدو مع التغيير

كالسوس لا يرد في المأثور

ودقق (التسولي) أن هذا الاختلاف محله ما لم يشترط السلامة أو يجري العرف بالرد. فللمشترى القيام بالعيب (٢) .

ولابن عرفة فتوى: أن الجبن يوجد فاسدا يرد، وكذلك الحديد يوجد أحرش منقطعا إذا دخل النار، معللا بأنه مما عملته الأيدي (٣) .

فهذه الفتوى تجعل الاختلاف محله ما كان من العيوب لا دخل للإنسان فهي بتقصير أو قصور تطبيقا للقاعد: أن المكلف يتحمل الضرر الحاصل منه خطأ كان أو عمدا.

وإذا خلص لنا أن مشتري الآلة أو الجهاز يقوم بالعيب على البائع فهل يعتبر التزام البائع بالصيانة بديلا عن الرد بالعيب؟

إن الصيانة ليست بتبديل المعيب، ولكن تتعدى ذلك إلى كثير من الأعمال. تتبع الخطوات الأولى في التسيير كشد بعض الأجهزة وتشحيم بعضها وتبديل الزيت ورفع بعض الأجزاء التي توضع في الآلة عند استخدامها الأول إلى مختلف أوجه العناية التي تتبع ما في الأجهزة من تعقيد. وبذلك فإن التزام المزود بالصيانة مدة معلومة هو أعم من القيام بالعيب.


(١) عقد الجواهر الثمينة: ٢/٤٧٤
(٢) البهجة: ٢/١٩٤
(٣) شرح ميارة على التحفه: ٢/٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>