للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشاهد في هذه النازلة أنه أفتى بحرمة التأمين البحري وخرجه على أنه التزام ما لا يلزم، ومنع تخريجها على تضمين المودع الوديعة إذا أخذ أجراً عليها لوجود الفارق بينهما. . .

هذا، وقد اختلفت تكييفات وتخريجات العلماء المعاصرين لهذه النازلة، واختلفت بناء على ذلك أحكامها بشأنها، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها (١) ، فالذين قالوا بالتحريم اختلفت تخريجاتهم؛ فخرجها بعضهم على أنها من باب أكل أموال الناس بالباطل، فيدخل في النهي الوارد لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] (٢) .

وخرجها الشيخ محمد بخيت المطيعي في رسالته السوكرتاه) بالقياس على القمار، حيث قال: عقد التأمين عقد فاسد شرعاً، وذلك لأنه معلق على خطر، تارة يقع وتارة لا يقع فهو قمار معنى (٣) .

ومما علل به المنع في هذه الواقعة: أن ضمان الأموال شرعاً، إما أن يكون بطريق الكفالة، أو بطريق التعدي، أو الإتلاف، ولا يوجد أي من هذه الأسباب في عقد التأمين.

وخرجها آخرون على أنها من عقود الغرر؛ إذ هي عقد احتمالي (٤) .

أما المجيزون للتأمين التجاري فقد اختلفوا أيضاً في تخريجه:

١- فمنهم من خرجه على أنه من التعاون المحبب، وأنه محقق لمساندة الإنسان لغيره ومساندة الغير له (٥) ، وهو متضمن في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] .

٢- ومنهم من خرجه على أنواع التبرعات وليس من البيوع (٦) .

٣- ومنهم من خرجه على قاعدة أن الأصل في العقود الإباحة، وأن التأمين عقد جديد. . . وأنه لا غرر فيه، وأنه محقق للفائدة، ولا نص يمنع منه (٧) .

٤- ومنهم من خرج ذلك بالقياس على عقد المضاربة في الشريعة الإسلامية، وقد تطرق صاحب هذا القول حتى رخص بالتأمين على الحياة (٨) .

٥- ومنهم من خرجه على عقد الموالاة وعلى تحمل العاقلة الدية.

٦- ومنهم من خرجه على أنه من باب المصالح المرسلة.

٧- ومنهم من خرجه على مبدأ العرف. . . (نظرية التأمين للدكتور محمد زكي السيد) .

٨- ومنهم من نزله على الضرورة، (التأمين الإسلامي للدكتور عبد السميع المعري) .

ج – ومن النوازل المستجدة:

حق التأليف والطبع والنشر:

وهو ما أطلق عليه مجمع الفقه الإسلامي (الحقوق المعنوية) ، فقد اختلف العلماء في تكييفه وتخريجه. . . وبالتالي اختلفت وجهات النظر في حكمه. . . ومن تلك التخريجات:

١- قياسه على المصنوعات، لأن الكتاب المؤلف كالمصنوع، والمؤلف كالصانع، وممن خرجه على ذلك الشيخ أبو الحسن الندوي (٩) .

٢- قياسه على ما ورد في الفقه الحنفي بشأن (النزول عن الوظائف بمال) (١٠) ، وممن خرجه على ذلك بعض علماء الهنود، باعتبار أن كلاً منهما من الحقوق، وقد رفض الشيخ الندوي هذا التخريج لطائفة من الأسباب أهمها:

أ- إن الحكم المذكور ليس متفقاً عليه عند فقهاء الأحناف، بل أكثرهم على المنع.

ب- الفرق بين التنازل عن الوظيفة، وأخذ العوض على حق الطباعة، لأن الوظيفة شيء قد تأكد استحقاقه لصاحبه. . . بخلاف حق الطباعة (١١) .


(١) فقد اتخذ مجمع الفقه الإسلامي – في دورته المنعقدة في ١٠ شعبان ١٣٩٨ هـ بمكة المكرمة – قراراً بمنع التأمين التجاري بجميع أنواعه، وبإجماع الآراء عد الشيخ مصطفى الزرقا، وكان من قبل قد اتخذ مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة المنعقدة في الرياض بتاريخ: ٤ / ٤ / ١٣٩٧هـ قراراً بتحريم التأمين التجاري وبجميع صوره.
(٢) انظر الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي للدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، ص ٦٤٧؛ ونظرية التأمين في الفقه الإسلامي للدكتور محمد زكي السيد، ص ٨١.
(٣) السوكرتاه، ص ١٢.
(٤) الدكتور علي السالوس، المعاملات المالية، ص ٣٨٠.
(٥) التأمين في الشريعة والقانون، للدكتور غريب الجمال، ص ٢٧٣؛ ومحمد يوسف موسى، ص ٢٠٣ وغيرهما.
(٦) الفكر الإسلامي، الحجوي: ٢ / ٥٠٤.
(٧) التأمين في الشريعة، الدكتور الغريب، ص ١١١، والشيخ الزرقا.
(٨) مقال في لواء الإسلام، الشيخ عبد الوهاب خلاف، ع (١١) ، السنة (٨) .
(٩) حق الابتكار، فتحي الدريني، ص ١٤٩ – ١٥٣.
(١٠) رد المحتار: ٤ / ٥١٩.
(١١) حق الابتكار، فتحي الدرديني، ص ١٥٦ – ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>