للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النازلة الثانية – العاجز عن استعمال الماء البارد:

وسئل مفتي بجاية الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم المشذالي (١) عن العاجز عن استعمال الماء البارد لمرض به ويقدر على استعماله سخناً، فهل يجب عليه تسخينه ليصل به إلى تحصيل الطهارة المائية إن تيسرت عليه أسباب ذلك؟ أو لا يجب عليه ذلك، ويتيمم لعجزه عن استعماله؟ فإذا قلتم: يجب عليه تسخينه فخاف خروج الوقت إن اشتغل بذلك، فهل يكون ذلك حكم الصحيح الذي خاف خروج الوقت إن تشاغل بالماء فيدخله الخلاف المعلوم فيه؟ أو يقال ليس هذا كالصحيح ويتيمم اتفاقاً لوجود المرض، فهو داخل في الآية ولا يطلب منه التسخين إلا مع فسحة الزمان؟ بينوا لنا ذلك ولكم الأجر.

فأجاب: المسألة تكلم عليها العوفي (٢) ونصه: لو كان الماء بارداً لا يقدر على استعماله لمرض به إلا بتسخينه، وهو لو سخنه أوبعث إليه من الحمام لخرج الوقت، فهل يتيمم أو لا؟

ذهب بعض المعاصرين إلى أنه يدخله الخلاف فيمن لو تشاغل بالماء ذهب الوقت، وهو عندي خطأ، فإن كونه لا يقدر لمرض فهو مريض له حكم المرض فيباح له التيمم لاندراجه في الآية (٣) ، بخلاف من لا يعوقه إلا قدر زمان الاستعمال فإنه صحيح فيدخله الخلاف، هذا إذا كان لمرض وإن كان لمشقة تلحقه، فإن قلنا إن المشقة من غير مرض توجب الترخص كان كالمريض وإلا فكالصحيح، انتهى كلام العوفي.

وفي تخطئته لبعض المعاصرين نظر، لاحتمال أن يقال إن المريض الذي يندرج في مضمون الآية هو الذي لا يقدر على مس الماء مطلقاً، وهذا ليس كذلك، وإنما تعذر عليه مس الماء البارد فقط، وأما المسخن فهو الذي يقدر على استعماله، لأنه باعتبار ذلك الوجه من القادرين على استعمال الماء وبه يخرج عن مضمون الآية.

فإذا كان تشاغله بتحصيل ذلك الوجه لا يفيته الوقت فواضح، وإن كان يفيته صح إجراء الخلاف فيه مما ذكر بعض العصريين، والله تعالى أعلم (٤) .


(١) أبو القاسم المشذالي: هو محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الصمد المشذالي وبه عرف، البجائي (أبو عبد الله) فقيه خطيب، ولد في بجاية في المغرب، وتوفي بها، من مؤلفاته: تكملة حاشية أبي مهدي عيسى الوانوغي على المدونة في فقه المالكية مختصر البيان لابن رشد، والفتاوى، توفي في بجاية سنة (٨٦٦ هـ ١٤٦٢م) ، (الأعلام: ٧ / ٥؛ معجم المؤلفين: ٣ / ٥٩٨) .
(٢) العوفي هو ثابت بن عبد الله بن ثابت العوفي، يكنى أبا الحسن، كان من أهل العلم والعمل، بارعاً في الفقه متضلعاً فيه، ولي القضاء بسرقسطة، استوطن قرطبة، من تصانيفه: كتاب الدلائل، توفي بغرناطة سنة ٥١٤ هـ – (ابن فرحون، إبراهيم، الديباج المذهب، بيروت، دار الكتب العلمية، دت، ص ١٠٢) الأعلام: ٦/ ٩.
(٣) المقصود بالآية قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣] .
(٤) الونشريسي، المعيار المعرب: ١ / ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>