للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد رأى العوفي أن المكلف في هذه النازلة يدخل تحت حكم الآية فينطبق عليها حكمها، بينما يرى أبو القاسم المشذالي، أنه لا يندرج في مضمون الآية، لأن المريض المعني في الآية، هو الذي لا يقدر على مس الماء مطلقاً، بينما هو ليس كذلك، فلم يتعذر عليه إلا مس الماء البارد فقط، وبذلك يطالب باستعمال الماء من الوجه الذي يقدر عليه وفرضه الوضوء لا التيمم.

النازلة الثالثة – الصلاة بالتيمم لمن ينتقض وضوؤه عند مس الماء:

وسئل أيضاً (أبو القاسم البرزلي) (١) عن قول اللخمي: سئلت عن رجل إن توضأ لم تسلم له صلاته حتى تنتقض طهارته، وإن تيمم لا يحدث له شيء حتى تنقضي صلاته، فرأيت أن صلاته بالتيمم أولى. فأشكل ذلك على السائل بسبب أن خروج الحدث عند الملاقاة للماء وعدم خروجه مع ترك الملاقاة دليل على أنه خارج على غير الصحة والاعتياد، وكل ما كان هكذا فكيف ينقض على أصل المذهب؟ نعم جوابه يجري على قول ابن عبد الحكم في الذي لا يملك خروج الريح منه إن صلى فإنما يصلي جالساً.

فأجاب: الذي ثبت كونه من السلس غير ناقض هو السلس الذي لا انفكاك للمكلف عنه، على الوجوه التي ذكروها، ولا حيلة في رفعه ولا طهارة تسلم معه، وأما مسألة اللخمي فليس الكائن فيها بهذه الحيثية لأن المكلف إن لم يتسبب فيه لم يقع فيمكن له ثبوت الطهارة الترابية مع سلامته منه، والسلس الذي ذكروه لا يمكن ذلك فيه ولا أقل من أن يكون هذا مرجحاً لما ذكروه إن لم يكن تاماً، ولا يمكن قياس مسألته على المسألة المشهورة لقيام الفارق الذي ذكرناه والله تعالى أعلم (٢) .

عندما قام الفارق لدى البرزلي بين هذه الحالة والسلس لم يرَ أنها تندرج تحت حكم السلس، وذلك لأن هذه الحالة إن لم يتسبب فيها المكلف لم تقع، بينما في السلس لا يمكن ذلك فيه، لذلك عدل بها عن حكم السلس إلى حكم التيمم، فأثبت له الطهارة الترابية مع سلامته من انتقاض وضوئه، وذلك لعدم تحقق مناط السلس فيه.


(١) البرزلي (٧٤٠ – ٨٤٤هـ، ١٢٣٩ – ١٣٤٣ م) هو أبو القاسم بن أحمد بن المعتل البلوي القيرواني التونسي، المالكي، الشهير بالبرزلي، فقيه، ولد في حدود سنة ٧٤٠ هـ ورحل إلى القاهرة، صار إماماً بالزيتونة، وأفتى ووعظ، وتوفي بتونس، من آثاره: الديوان الكبير في الفقه، النوازل، الفتاوى؛ معجم المؤلفين: ٢ / ٦٣٧؛ الأعلام: ٥ / ١٧٢.
(٢) الونشريسي، المعيار المعرب: ١ / ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>