للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتب أحدهم في إحدى الصحف عن التكشف والتبرج واللبس القصير وكشف الذراعين والصدر والشعر وغير ذلك، وقال: هذا وإن كان محرما فهو من الصغائر التي تكفرها الصلوات ... إلى آخره. مع أن هناك الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة: ((صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات، عاريات، مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة. لا يدخلن الجنة ولا يجدون ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) ، فهؤلاء الذين حكم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم من أهل النار وأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. لا يمكن أن يكون هذا في صغيرة، على أن العلماء قالوا: لا صغيرة مع إصرار، فالتي تفعل هذا باستمرار لا يمكن أن تظل صغيرة. فالغفلة عن النصوص ...

ومن ناحية أخرى هناك من يجاوزون الإجماع، والإجماع المتيقن. هناك إجماع غير متيقن، هناك دعاوى إجماع كثيرة مع ثبوت الخلاف، إنما هناك إجماع متيقن وإجماع مقرون بالعمل واستقرت عليه الأمة، مثل زواج المسلمة بغير المسلم، للأسف نجد من أجاز أن تتزوج المسلمة غير المسلم، وقال: لا يوجد نص صريح في الكتاب والسنة. ويكفي الإجماع أن الأمة أجمعت بكل مذاهبها وطوائفها واستقر العمل على ذلك أربعة عشر قرنا، ولا بد لهذا الإجماع من سند كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يوجد إجماع حقيقي إلا ووراءه سند، علمه من علمه وجهله من جهله. ثم هناك أيضا القياس على غير أصل.

كتب بعضهم في بعض الصحب يقولون لماذا تنكرون على الحكومات أخذ الفوائد وغير ذلك وهذا مقيس على أنه لا ربا بين الوالد وولده فكذلك لا ربا بين الحكومة والشعب. وهذا الشيء الذي قاس عليه ليس كتابا ولا سنة، ليس أصلا متفق عليه حتى يقاس عليه، ولو فرض أنه أصل فهو قياس مع الفارق، لأن الولد فيه حديث "أنت ومالك لأبيك "ولم يرد "أنت ومالك للحكومة "!! فهذا القياس على غير أصل.

هناك أيضا الذين يغفلون المقاصد الشرعية ولا يبالون بمقاصد الشرع كأولئك الذين ظهروا في لبنان وفي غيرها يعرفهم الشيخ خليل الميس الذين يسمون (الأحباش) ، ويقولون بأن النقود الورقية لا تجب فيها الزكاة ولا يجري فيها ربا، لأن النقود الشرعية هي الذهب والفضة. أي ظاهرية؟! أي حرفية؟! أي جمود؟! وإذا سقطت الزكاة عن النقود في ماذا تجب الزكاة؟! في البحرين هنا لا زكاة لأنه لا يوجد لا إبل ولا بقر ولا غنم ولا زروع ولا ثمار، وكذلك في الدوحة وفي جدة والكويت ودبي ومعظم المدن الكبرى التي فيها المليارات، إذن لا تجب فيها الزكاة ولا يجري الربا!! هذه غرائب، وبعض العلماء الكبار يقعون في مثل هذا.

لا داعي على أن أذكر بعض أسماء رجال الحديث الكبار في عصرنا الذين يقولون بعدم وجوب الزكاة في التجارة – هذا أمر غريب – إلا إذا نضت، يعني إذا سيلت. ومعروف أن في عصرنا قلما تنض أموال التجار، قلما تسيل. الآن في عصرنا الحاضر كله ما شي على العمليات الائتمانية، فالتاجر ليس عنده نقود، كلها تستمر بضاعة مع بضاعة ... إلى آخره. فكيف نعفي هؤلاء من الزكاة؟! فاعتبار المقاصد هذا أمر مهم.

أمر آخر أيضا وهو مراعاة الواقع بما فيه فقه الواقع وهو الذي ذكره الإمام ابن القيم حينما قال: الفقيه هو من يزاوج بين الواجب والواقع، فلا تعيش أبدا فيما يجب أن يكون ولكن فيما كائن أيضا. قال هذا وهو يشرح كلمة الإمام أحمد فيما يجب على المفتي أن يتصف به، وهي صفات خمس: العلم والسكينة والحلم والكفاية ومعرفة الناس. فقال: "معرفة الناس "يعني ينبغي أن يعرف الواقع بما فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>